"فايننشيال تايمز": علماء يتهمون نيوزيلندا وأيرلندا بالتلاعب في حسابات انبعاثات الميثان
تحذيرات من "خدعة محاسبية"
اتهم علماء مناخ دوليون حكومتَي نيوزيلندا وأيرلندا باستخدام أسلوب محاسبي جديد وصفوه بـ"المضلل"، بهدف التقليل من حجم انبعاثات الميثان الناتجة عن الثروة الحيوانية، في خطوة قالوا إنها قد تُقوّض الجهود الدولية لمكافحة تغيّر المناخ.
ووجّه 26 عالماً متخصصاً في المناخ رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة "فايننشيال تايمز"، أمس الأحد، حذّروا فيها من أن الطريقة المحاسبية الجديدة التي تعتمدها حكومتا ويلينغتون ودبلن تُمثّل "سابقة خطِرة"، وتفتح الباب أمام تبرير التوسع في إنتاج الأغنام والأبقار رغم أثرها البيئي المرتفع.
وأكد العلماء أن الطريقة المُستخدمة تُظهر حجم الانبعاثات مقارنة بخط أساس تاريخي، بدلاً من احتساب التأثير الكلي للميثان في مدار 100 عام كما هو متعارف عليه في الأطر المناخية الدولية.
"خدعة محاسبية"
وأعرب الأستاذ العالمي للتغير البيئي في جامعة أكسفورد، بول بهرنس، عن رفضه لهذا النهج، قائلاً إن احتساب الانبعاثات بناءً على انخفاض طفيف عن السابق لا يُبرر استمرار الممارسات المضرة، مضيفاً لصحيفة "فايننشيال تايمز" بتشبيه واضح: "إذا كنت أفرغ 100 برميل من التلوث في النهر، ثم خفضت العدد إلى 90، فلا يمكن اعتبار ذلك نجاحًا يُحتفى به".
وانتقد أستاذ علوم المناخ في جامعة ديوك، درو شينديل، استخدام النموذج الجديد، موضحًا أن إساءة تطبيقه قد تُحوّل الحسابات المناخية إلى ما وصفه بـ"خدعة محاسبية" تُجنّب المسؤولين المسؤولية عن الانبعاثات الحالية، ولا تُحاسبهم على التراكم البيئي القائم.
انبعاثات مرتفعة
وسجّلت نيوزيلندا وأيرلندا مستويات مرتفعة من انبعاثات الميثان الزراعي بالنسبة لنصيب الفرد، نتيجة لاعتماد اقتصادي واسع على تصدير اللحوم ومنتجات الألبان.
وشكّل قطاع الزراعة في نيوزيلندا نحو 50% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة، مع تركّز الانبعاثات في الثروة الحيوانية. أما في أيرلندا، فأسهمت الأبقار الحلوب بنسبة مفرطة في انبعاث الميثان، تجاوزت ما تُسببه ماشية اللحم، ما جعل الزراعة المصدر الأول للانبعاثات في البلاد.
وحذّر العلماء من أن اعتماد هذه الأساليب يُخالف الروح العامة لاتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، ويُضعف الالتزام بـ"التعهد العالمي بشأن الميثان"، الذي أُطلق عام 2021 للحد من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
تخفيضات حادة وعاجلة
دعا الباحث في تغير المناخ بجامعة مدينة دبلن، بول برايس، إلى تخفيضات حادة وعاجلة في الانبعاثات الزراعية الأيرلندية، معتبرًا أن التوسّع المستمر في إنتاج الأبقار يتعارض كليًا مع الأهداف المناخية، وموضحاً أن أيرلندا اختارت الاستمرار في التوسّع بدلاً من تقليص الأثر البيئي للثروة الحيوانية.
وأشارت بيانات وكالة البحوث الزراعية الأيرلندية إلى أن أعداد الأبقار الحلوب في البلاد ارتفعت خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية، على عكس التوجهات السائدة في باقي دول أوروبا، حيث انخفضت أحجام القطعان الزراعية.
تباين في التوصيات
وأعلنت الحكومة النيوزيلندية نيتها إضفاء الطابع الرسمي على أهدافها الجديدة بشأن الميثان قبل نهاية العام الجاري، وبناءً على مراجعة حكومية أشارت إلى أن التخفيض المقبول يراوح بين 14% و24% بحلول عام 2050.
جاءت هذه النسب أقل بكثير من توصيات لجنة تغير المناخ النيوزيلندية، التي اقترحت خفض الانبعاثات بنسبة تراوح بين 35% و47% بحلول نفس الموعد، لضمان الامتثال للأهداف المناخية الوطنية والدولية.
ورفضت الحكومتان في ويلينغتون ودبلن التعليق على مضمون الرسالة المفتوحة أو الرد على استفسارات الصحيفة، في خطوة فُسرت على نطاق واسع بأنها محاولة لتجنّب الجدل العلمي والسياسي المتصاعد.
أوضح أستاذ علوم النظم الجيولوجية في جامعة أكسفورد، مايلز ألين، وأحد المشاركين في تطوير نموذج "نجم الاحتباس الحراري العالمي" (GWP)، أن الحكومات هي الجهة المعنية باتخاذ القرار بشأن مسؤولية المزارعين عن الاحترار الناتج عن النمو التاريخي للقطعان.
دافع ألين عن الفصل بين أهداف الميثان وثاني أكسيد الكربون، مشيرًا إلى أن النموذج التقليدي بالغ في تقدير التأثير الكربوني ولم يعكس التغيرات الحقيقية في الانبعاثات.
في المقابل، رأى العلماء الموقعون على الرسالة أن هذا التوجّه قد يُستخدم لتبرير تقاعس الدول الغنية، ومنح الأفضلية للمزارعين الكبار على حساب المنتجين الفقراء في دول الجنوب، خاصةً في إفريقيا، الذين يسعون فقط لتأمين الغذاء لمجتمعاتهم.
وقال شينديل: "إذا كنت مزارعًا ثريًا وتملك عددًا كبيرًا من الأبقار، فبإمكانك الاحتفاظ بها إلى الأبد"، مشيرًا إلى أن هذا النموذج الجديد "يُعاقب الفقراء الذين لم يُسهموا أصلًا في أزمة المناخ".