قافلة "الصمود" المغاربية.. تحرك إنساني عربي في وجه حصار غزة
وسط شكوك في الدوافع والخلفيات
تواصل القوافل الشعبية التضامنية مع قطاع غزة تصدر مشهد الدعم المدني للقضية الفلسطينية، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع واستفحال الحصار المفروض عليه منذ أكثر من 17 عامًا، لا سيما عقب الحرب الضروس التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلية على القطاع منذ 7 أكتوبر 2023.
وفي هذا السياق، برزت "قافلة الصمود المغاربية" كتحرك شعبي وإنساني واسع يضم نشطاء وحقوقيين وإعلاميين من دول المغرب العربي، في خطوة تحمل رمزية كبيرة وتعيد تسليط الضوء على دور المجتمعات المدنية المغاربية في نصرة الشعب الفلسطيني.
القافلة، التي تضم مشاركين من تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا وليبيا، تشكل تعبيرًا حيًّا عن وحدة الشعوب المغاربية تجاه قضايا الأمة، وعلى رأسها فلسطين، حيث حمل المشاركون معهم مساعدات إنسانية رمزية، ورسائل سياسية ومعنوية قوية تؤكد أن غزة ليست وحدها، وأن الشعوب العربية، رغم الجراح والانقسامات، لا تزال تُجمع على مركزية القضية الفلسطينية.
كسر حاجز الصمت
ورغم أن "قافلة الصمود" لم تتمكن فعليًا من الدخول إلى القطاع بسبب الإجراءات الأمنية والمعوقات السياسية، فإن أثرها تجاوز حدود المكان، فالمشاركون نظموا وقفات تضامنية على الحدود المصرية مع غزة، ورفعوا شعارات تطالب بفتح المعابر، وبتحرك فعلي عربي ودولي لوقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان القطاع.
وأكدت القافلة في بيانها الختامي أن "الحصار جريمة مركّبة"، تبدأ من الاحتلال ولا تنتهي عند تقاعس المجتمع الدولي، داعية الحكومات العربية والإسلامية إلى تحمل مسؤولياتها، والضغط باتجاه وقف الحرب، وإدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل، وضمان حرية تنقل المدنيين والجرحى.
ويأتي انطلاق هذه القافلة في وقتٍ يتنامى فيه الزخم الشعبي المغاربي الرافض للحرب على غزة، حيث شهدت عواصم البلدان المشاركة مظاهرات مليونية، رفع فيها المحتجون الأعلام الفلسطينية، ورددوا شعارات تطالب بمحاسبة الاحتلال، وتدعو لتجريم التطبيع.
وقد مثّلت القافلة امتدادًا لهذا الحراك، لكنها تميزت بكونها تعبيرًا فعليًا عن الانتقال من الموقف الرمزي إلى العمل الميداني، لا سيما من خلال التنسيق مع منظمات إغاثية دولية ومحلية، وتوثيق شهادات من المشاركين لإيصال الصوت الفلسطيني إلى دوائر القرار الإقليمي والدولي.
التحديات والقيود السياسية
واصطدمت القافلة المغاربية منذ بدايتها بعدة صعوبات، أبرزها القيود السياسية على التنقل، ورفض بعض المعابر استقبال القوافل الشعبية، إضافة إلى تعقيدات بيروقراطية حالت دون وصول المساعدات بشكل مباشر إلى داخل القطاع.
وبحسب الخبراء والمراقبين، تعكس هذه العراقيل حجم الانفصام بين الدعم الشعبي الجارف لفلسطين، وبين السياسات الرسمية في عدد من الدول التي اختارت الحياد أو التطبيع، ما يطرح أسئلة أخلاقية حول التواطؤ الصامت في استمرار الحصار.
ورغم هذه التحديات، أصر منظمو القافلة على إتمام الرحلة الرمزية، معتبرين أن "الفعل المعنوي لا يقل قيمة عن الدعم المادي"، مؤكدين أن الصورة التي التُقطت على الحدود قد تكون أقوى من آلاف الكلمات.
رسائل ونداء موحد
ولم تكتفِ "قافلة الصمود المغاربية" بإرسال الدعم المادي، بل بعثت برسائل سياسية واضحة، مفادها أن الحق الفلسطيني لا يسقط بالتقادم، ولا يخضع لحسابات المصالح العابرة.
وقد عبر عدد من النشطاء في تصريحات لوسائل الإعلام عن خيبة أملهم من مواقف بعض الأنظمة العربية، مقابل فخرهم بمواقف شعوبهم، التي لم تخذل غزة في أشد محنها.
كما وجه المشاركون نداءً موحدًا إلى الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية للتحرك الجاد والفاعل لرفع الحصار، ووقف جرائم الحرب المرتكبة في القطاع، مشيرين إلى أن التخاذل الدولي ليس فقط فشلاً أخلاقيًا، بل أيضًا انحيازًا غير مشروع للجلاد.
ويرى محللون أن "قافلة الصمود المغاربية" ليست إلا بداية لمسار طويل من الدعم الشعبي الذي يمكن أن يُبنى عليه، عبر تكثيف القوافل القادمة، وإنشاء منصات مشتركة للتنسيق المغاربي من أجل فلسطين، إلى جانب تفعيل العمل القانوني والإعلامي لكشف الانتهاكات المستمرة، وتعزيز ثقافة المقاطعة والمناصرة.
ودعا المشاركون في القافلة إلى تدويل قضية الحصار عبر المسارات القانونية، والضغط من خلال البرلمان الأوروبي والاتحاد الإفريقي ومنظمات المجتمع المدني العالمية، لتصنيف الحصار ضمن جرائم الحرب، والمطالبة بفرض عقوبات على الاحتلال.
ورغم الحصار والتجويع والدمار، تثبت غزة مجددًا أنها قضية جامعة للأمة، وأن شعوب المغرب العربي، على اختلاف توجهاتها، قادرة على تجاوز الجغرافيا والحدود لترفع صوتها عاليًا: "الحرية لفلسطين"، وإن "قافلة الصمود المغاربية" ليست مجرد حدث عابر، بل هي شاهد على يقظة الضمير المغاربي، وعلى أن فلسطين، وإن خذلتها بعض الأنظمة، فإنها لم تُخذل من شعوبها.
زخم عربي افتراضي
وحظيت "قافلة الصمود المغاربية" باهتمامٍ واسع على منصات التواصل الاجتماعي في العالم العربي، حيث تحوّلت إلى وسم متداول في عدد من الدول المغاربية والعربية، ورافقتها موجة كبيرة من التفاعل الشعبي الرقمي، عبرت عن التضامن مع أهداف القافلة، وأشادت بشجاعة المشاركين فيها ورسالتهم الإنسانية والسياسية.
وأطلق نشطاء وإعلاميون وحقوقيون وسومًا بارزة مثل #قافلة_الصمود و#فك_الحصار_عن_غزة و#المغرب_العربي_من_أجل_فلسطين، حيث جرى تداول صور وفيديوهات للمشاركين في القافلة أثناء وقفاتهم التضامنية على الحدود، وأمام المعابر المغلقة، إلى جانب تدوينات تعكس الافتخار الشعبي بالمبادرة.
وانتشرت رسومات كاريكاتيرية وتصاميم غرافيكية تُمجد القافلة وتُندد بتخاذل الأنظمة العربية، في حين تفاعل مئات المؤثرين على "تويتر" (إكس) و"فيسبوك" و"إنستغرام" عبر منشورات ومقاطع تعزز أهمية الحراك الشعبي في الضغط من أجل فك الحصار.
وفي ظل الحصار الإعلامي المفروض على غزة، تحولت مواقع التواصل إلى "جبهة مقاومة رقمية"، حيث اعتبر كثير من المستخدمين أن نشر أخبار القافلة وإيصال صوتها هو "أضعف الإيمان"، فيما قام آخرون ببث مباشر للأنشطة الميدانية، ما ساعد في خلق حالة زخم وتفاعل فوري داخل وخارج العالم المغاربي.
وقد برزت دعوات لتكرار هذه القوافل وتوسيع نطاقها، إلى جانب مطالبات بتفعيل دور الجاليات المغاربية في أوروبا للتظاهر أمام البرلمانات والمفوضيات الدولية دعماً لغزة.
وعكس هذا التفاعل الرقمي مدى ترسخ القضية الفلسطينية في وجدان الشعوب العربية، ومدى قدرة الإعلام البديل على تجاوز الصمت الرسمي، حيث رأى كثير من المعلقين أن الحضور الشعبي لقافلة الصمود فضح الغياب السياسي العربي، وأن الشعوب وإن كانت مُقيدة في الفعل، فإنها تُعبر بقوة عن مواقفها في الفضاء الرقمي.
كما طالب البعض بتأسيس منصة إعلامية رقمية موحدة للقافلة لنقل كل تطوراتها، وربطها بحملات ضغط دولية تنظم عبر الإنترنت لتشكيل رأي عام عالمي مناصر للقضية.
قافلة الصمود
صرح نبيل الشنوفي، المتحدث باسم قافلة "الصمود" المغاربية الهادفة إلى كسر الحصار عن غزة، في تصريح لـ"جسور بوست"، بأن القافلة وصلت إلى مدينة مصراتة، وتواصل طريقها نحو مدن ومناطق شرق ليبيا.
وأكد الشنوفي أن القافلة حظيت باستقبال شعبي حافل من قبل الليبيين، مشيداً بما وصفه بـ"كرم الضيافة الذي يفوق الوصف"، كما أشار إلى وجود تنسيق أمني رفيع المستوى مع حكومة الشرق لتأمين مرور القافلة.
وأضاف: "تعتمد القافلة في سياستها العامة على السلمية ودعم القضية الفلسطينية، وقد تم الاتفاق بين جميع المشاركين على عدم رفع أي لافتات أو أعلام تابعة لأي من الفصائل الفلسطينية المقاومة، والاكتفاء برفع العلم الفلسطيني فقط، بوصفه رمزاً لوحدة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة".
وفي ما يتعلق بالموقف المصري من قافلة "الصمود"، قال الشنوفي إن القافلة حظيت بترحيب كبير من السفارة المصرية في تونس منذ انطلاقها، مشيراً إلى أن عددًا من الدبلوماسيين المصريين أبدوا اهتمامًا ملحوظًا، وتواصلوا مع أعضاء القافلة للتعرف على طبيعتها وأهدافها والرؤية التي تنطلق منها.
توريط ومزايدة على مصر
ورغم التأكيد على التوجيه الرئاسي والدور الإنساني المصري في دعم القضية الفلسطينية، لم يتسنَ الحصول على تعليق رسمي من الجهات المصرية المختصة بشأن قافلة "الصمود المغاربية"، رغم محاولات متكررة للتواصل مع عدد من المسؤولين المعنيين.
من جانبه، تساءل الإعلامي المصري أحمد موسى، عبر حسابه على منصة "إكس": "هل تم التنسيق مع السلطات المصرية وحصول هذه القافلة ومن بداخلها على تأشيرات دخول لمصر أولا.. ثم دخول سيناء ثانيا ذات طبيعة خاصة ولها إجراءات محددة؟".
وقال موسى: "لا تنظروا للعنوان البراق والجاذب قافلة الصمود بل لتبعات ما قد يحدث والصورة التى سيتم تداولها وتصديرها عن مصر، والغريب لماذا لم يذهب هؤلاء عن طريق البحر وهو أقرب وأسهل لهم؟".
وأضاف: "اليقظة مطلوبة من الجميع لمواجهة هذا الفخ الذى يستهدف وضع مصر في موقف محرج للغاية، سواء سمحت بالدخول أو منعت القافلة، وتداعيات ما قد يحدث والحملات المجهزة سلفا ضد الدولة المصرية.. انتبهوا لهذا الكمين المحكم والعيون كلها تركز على مصر، وهناك عشرات النشطاء الذين سينضمون لهذه القافلة عند وصولها الأراضي المصرية".
واتفق نسبيا مع التوجه السابق الدكتور عماد جاد، المحلل السياسي ومستشار رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قائلا: "لا توجد دولة في العالم تقبل دخول مواطنين أجانب أراضيها دون الحصول على تأشيرة دخول (فيزا) ولا توجد دولة في العالم تقبل باقتحام حدودها، ولا توجد دولة في العالم تسمح بدخول أجانب لأراضيها والتوجه نحو حدود ملتهبة، أحلى خيارات التعامل مع مخططها مُر على مصر والمصريين، هي قافلة مزايدة رخيصة هدفها إحراج مصر أو شلالات دم على الحدود".
وأضاف جاد عبر حسابه على منصة "فيسبوك": "الهدف خبيث وقد تجد إسرائيل في وصول القافلة إلى الحدود فرصة نموذجية لإثارة فوضى على الحدود وفرصة نموذجية لتهجير أهل غزة إلى مصر أو أجواء حرب مصرية إسرائيلية (راجعوا مكونات نظرية الترانسفير الإسرائيلية والظروف التي تراها النظرية نموذجية لترحيل الفلسطينيين إلى مصر والأردن وأبرزها حرب جديدة أو فوضى في المنطقة)".
ومضى قائلا: "على السلطات المصرية أن تمنع هذه القافلة، وتعلم أن هدفها توريط مصر أو المزايدة عليها، مصر دفعت ازدهارها واقتصادها بجانب مئة ألف شهيد في حروبها مع إسرائيل، وكل كارهي مصر ينظمون مسيرات دعما لهذه القافلة".
الزيارة تستوجب موافقات مسبقة
من جانبها، أكدت وزارة الخارجية المصرية في بيان مساء الأربعاء، أن زيارة أي وفود أجنبية إلى المنطقة الحدودية مع غزة تستوجب "موافقات مسبقة"، وأن هذه الإجراءات تأتي ضمن الضوابط التنظيمية المعمول بها منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023.
وأضاف البيان أن تلك الزيارات لا يمكن إتمامها إلا من خلال "تقديم طلبات رسمية إلى السفارات المصرية في الخارج أو إلى وزارة الخارجية عبر السفارات الأجنبية بالقاهرة أو ممثلي المنظمات".
وأعربت القاهرة عن دعمها "للضغط الدولي على إسرائيل لإنهاء الحصار المفروض على القطاع الفلسطيني"، لكنها شددت على ضرورة الالتزام بالآليات الرسمية التي تنظم التحرك في المناطق الحدودية الحساسة.