"الأسد الصاعد و"الوعد الصادق".. الحرب بين إسرائيل وإيران تُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط
المواجهة الكبرى في المنطقة
بات إسقاط النظام الإيراني، بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، هدفًا معلنًا لإسرائيل منذ لحظة إطلاقها العملية العسكرية ضد إيران يوم الجمعة الماضي، وسط واقع حقوقي متدهور تعانيه البلاد التي تواجه يوميًا إدانات دولية لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وأكد خبراء في الشأن الإيراني، في تصريحات منفصلة لـ"جسور بوست"، أن أي تغيير للنظام القائم في طهران قد يمثل بداية لمرحلة من العدالة والإنصاف، خاصة إذا أتى البديل أكثر انفتاحًا على المجتمع الدولي ودول الجوار، وتخلى عن الخطاب الثوري والقمع الداخلي.
وحذّر الخبراء في الوقت نفسه من أن فشل هذه المحاولة في إسقاط النظام، سيجعل من خامنئي ونظامه أكثر شراسة وتطرفًا، مع اتساع دائرة الانتهاكات والجرائم بحق الشعب الإيراني.
ضربة في قلب النظام
وفي فجر الجمعة، أعلنت إسرائيل عن انطلاق عملية "الأسد الصاعد"، في واحدة من أوسع الهجمات العسكرية ضد إيران منذ عقود، حيث استهدفت العملية منشآت عسكرية ونووية حساسة، بينها مراكز أبحاث نووية، مواقع قيادية تابعة للحرس الثوري، وعدد من العلماء النوويين.
ووصفت وسائل إعلام إسرائيلية هذه العملية بأنها "الأكثر اتساعًا منذ أكثر من عشرين عامًا"، مشيرة إلى أنها حققت "اختراقات نوعية" في قلب البنية التحتية العسكرية الإيرانية.
وفي المقابل، أطلق الحرس الثوري الإيراني عملية رد تحت اسم "الوعد الصادق 3"، حيث استهدفت العملية مواقع عسكرية إسرائيلية في الجولان ومناطق أخرى لم يتم تحديدها (حتى الآن).
وأكدت طهران أن الرد "مفتوح في الزمان والمكان"، ضمن استراتيجية "ردع شاملة"، والتي تهدف إلى إعادة رسم قواعد الاشتباك في المنطقة.
وفي أول خطاب متلفز عقب بدء الهجمات، وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نداءً مباشرًا إلى الشعب الإيراني، داعيًا إياه إلى الثورة ضد النظام الحاكم.
وقال نتنياهو إن العمليات السابقة ضد "حزب الله" والنظام السوري أدت إلى تغييرات سياسية كبيرة، مضيفًا: "أؤمن بأن يوم تحرركم قريب، وعندما يحدث ذلك، ستعود الصداقة العظيمة بين شعبينا لتزدهر".
إضعاف النظام بالكامل
بدورها ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن الضربات الأخيرة تتجاوز الهدف التقليدي بتعطيل البرنامج النووي الإيراني، وتسعى إلى إضعاف النظام بالكامل عبر استهداف قطاعات الطاقة والصناعة والأمن الداخلي.
وفي السياق ذاته، أفادت "يورونيوز"، وهي فضائية أوروبية متعددة اللغات، بأن دقة الضربات واستهداف قيادات عليا داخل النظام تكشف نوايا استراتيجية لإحداث زعزعة أمنية وسياسية في الداخل الإيراني.
وبحسب ما نقلته وكالة "رويترز" للأنباء عن مصادر استخباراتية، فقد قُتل أكثر من 20 قائدًا عسكريًا إيرانيًا، بينهم رئيس الأركان محمد باقري وقائد الحرس الثوري حسين سلامي، بالإضافة إلى عدد من كبار علماء الطاقة النووية.
ووصفت الخبيرة الاستخباراتية السابقة في "الموساد"، سيما شاين، هؤلاء القادة بأنهم "عناصر محورية في استقرار النظام، وخاصة أمنه الداخلي"، معتبرة أن فقدانهم يمثل ضربة كبيرة للهيكل الأمني في طهران.
فيما حذر محللون غربيون من تداعيات أي تغيير مفاجئ للنظام، حيث قال جوناثان بانيكوف، المسؤول الأمريكي السابق في الشأن الاستخباراتي: "لا توجد ضمانات بأن القيادة الجديدة ستكون أكثر اعتدالًا، فربما تكون أكثر عدوانية من النظام الحالي".
ورأى مايكل سينغ من معهد واشنطن، أن إسرائيل ترغب فعليًا في تغيير النظام، وأن التصعيد العسكري يعكس هذا التوجه بوضوح.
دعم أمريكي غير معلن
وبحسب شبكة CNN، فإن العملية العسكرية الإسرائيلية قد تستمر لأسابيع، وسط دعم أمريكي ضمني من إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي يُقال إنه أبدى "استعداده للمشاركة" إذا تطلب الأمر.
وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية، أن رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك دعا إلى تنسيق دولي موسع لإسقاط النظام الإيراني، محذرًا من أن إسرائيل لا تملك القدرة على خوض حرب شاملة بمفردها.
وفي الداخل الإيراني، نقل موقع "إيران إنترناشيونال" المعارض تسجيلات لمواطنين في طهران وكرج يهتفون ضد النظام والمرشد علي خامنئي، بهتافات مثل: "الموت للديكتاتور"، و"الموت لخامنئي"، و"الموت للحرس الثوري".
وأظهرت تقارير أخرى أن مسؤولين كبارًا، بينهم علي أصغر حجازي نائب رئيس مكتب المرشد، تواصلوا مع مسؤولين روس لتأمين خروجهم من البلاد في حال تفاقم الأزمة.
ووفق تقرير منظمة العفو الدولية 2024، تستمر إيران في تسجيل أرقام قياسية في الانتهاكات الحقوقية، أبرزها قمع حرية التعبير والإعلام، وحجب الإنترنت، وحظر الأحزاب السياسية، وإغلاق المنظمات والنقابات المستقلة والاعتقال التعسفي، والتعذيب، والمحاكمات الجائرة.
وقالت المنظمة إن النظام الإيراني، بقيادة خامنئي، يستخدم القضاء كأداة للقمع السياسي والاجتماعي، ويضرب بعرض الحائط أبسط معايير العدالة.
انتصار سيجني ثماره
بدوره، قال المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني، وجدان عفراوي، إن سقوط نظام خامنئي سيكون انتصارًا للعدالة، إذ سيفتح الباب لمحاسبة المتورطين في الجرائم التي ارتكبها النظام داخل إيران وفي دول الجوار، وفقا للقانون الدولي.
وأكد عفراوي، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن النظام الإيراني "جثم على صدور الإيرانيين لسنوات طويلة، وارتكب انتهاكات مرعبة لا تُحصى وراح ضحيتها الآلاف، وحان وقت المحاسبة"، محملا النظام الإيراني مسؤولية التصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير.
وأشار إلى أن طهران تجاهلت دعوات المجتمع الدولي لتعديل سلوكها النووي والانخراط بشكل طبيعي في النظام العالمي، مفضلة التوسع عبر أذرعها في المنطقة وفرض نفوذها بالقوة.
وأوضح أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة جاءت في توقيتها المناسب، مع تسجيل ردود فعل داخلية مرحبة، وهتافات مناهضة لخامنئي في شوارع طهران ومدن أخرى، مؤكدا أن القيادات المستهدفة في الحرس الثوري والحكومة الإيرانية "هم المسؤولون المباشرون عن تدهور الأوضاع الحقوقية والمعيشية في البلاد".
ورأى عفراوي، أن فرص بقاء النظام هذه المرة تبدو ضعيفة، "فكل المؤشرات تؤكد أن السقوط بات وشيكًا، وربما يكون سريعًا كما حدث مع نظام بشار الأسد في لحظات مفصلية"، مستدركًا: "لكن إذا نجا هذه المرة، فسيتحول إلى وحش جريح ينتقم بوحشية، أول من سيدفع الثمن هم الإيرانيون أنفسهم، ومعهم شعوب المنطقة".
وأكد أن انهيار النظام سيشكل فرصة لإحياء الاقتصاد الإيراني وإعادة الحقوق المسلوبة لشعبه، لافتًا إلى أنه "رغم ما يرافق سقوط الأنظمة من اضطرابات، فإن الشعب الإيراني في نهاية المطاف سيستعيد مليارات الدولارات التي أهدرها نظام خامنئي في تمويل ميليشيات خارجية وتثبيت نفوذه".
مخاطر قائمة
من جانبها، وصفت المحللة السياسية المتخصصة في الشأن الإيراني، منى سيلاوي، مستقبل حقوق الإنسان في إيران بأنه "سؤال المليون دولار"، معتبرة أن هذا الملف هو جوهر الأزمة سواء سقط النظام أم استمر جاثما على صدور الإيرانيين.
وقالت سيلاوي في تصريح لـ"جسور بوست"، إن هناك نوعًا من "الشماتة الشعبية" في إيران بعد مقتل عدد من قادة الحرس الثوري المتهمين بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مشيرة إلى أن أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية "مارست القمع ضد الشعب لعقود، لكنها عجزت عن التصدي للهجمات الإسرائيلية".
وأضافت أن "ما نشهده الآن هو انهيار الثقة في هذه الأجهزة، لكنه في ذات الوقت يمثل سيفًا ذا حدين"، موضحة أن النظام إذا ضعف ولم يسقط بالكامل، فقد ينغلق على نفسه ويتجه نحو تطوير قنبلة نووية، ليصبح أقرب إلى نموذج كوريا الشمالية، وهو "سيناريو خطير على الداخل والخارج".
وتابعت: "في هذه الحالة، سيُقابل الشعب الإيراني بمزيد من القمع والانهيار الاقتصادي والاجتماعي، وسط انعدام الحريات وتدهور مؤسسات الدولة".
وشددت في الوقت نفسه على أن "سقوط النظام لا يعني بالضرورة الخلاص الفوري"، إذ سيواجه أي نظام بديل تحديات جسيمة في ظل حجم الدمار الذي خلفته الضربات الأخيرة.
واختتمت حديثها بعبارة: "رغم ذلك، لو تسلمت السلطة قيادة منفتحة على الجوار وتخلت عن الشعارات الإيديولوجية، يمكن لإيران أن تتحول إلى دولة طبيعية تنعم فيها الحقوق والحريات".
وفي ظل التصعيد العسكري غير المسبوق، بات مستقبل النظام الإيراني على المحك أكثر من أي وقت مضى، وبين احتمالات السقوط والانكماش، تظل حقوق الشعب الإيراني هي الرهان الأكبر، فإما انفتاح على العالم يعيد الحياة، أو قمع أشد يُفاقم الجراح الغائرة.