قانون جديد في ريو دي جانيرو يُشعل الجدل حول الإجهاض في البرازيل

قانون جديد في ريو دي جانيرو يُشعل الجدل حول الإجهاض في البرازيل
مدخل أحد مستشفيات ريو دي جانيرو

أثار قانون محلي جديد جدلًا واسعًا في البرازيل، بعدما بدأ سريانه في مدينة ريو دي جانيرو، ويلزم المستشفيات والعيادات العامة بوضع لافتات مناهضة للإجهاض تتضمن رسائل تُدين الإجراء وتحذر من عواقبه النفسية والجسدية، في خطوة يرى فيها نشطاء حقوق المرأة تصعيدًا إضافيًا في الحملة المتنامية لتقييد الإجهاض في البلاد.

وفق تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية الخميس، تنص اللافتات الإلزامية، التي صوّت عليها مجلس المدينة ووقعها رئيس البلدية إدواردو بايس، على رسائل من قبيل: "هل تعلمين أن الطفل الذي لم يولد يتم التخلص منه كنفايات مستشفى؟"، و"الإجهاض قد يؤدي إلى العقم، والاضطرابات النفسية، والالتهابات، وحتى الموت"، كما تحث النساء على اختيار التبني بدلاً من الإجهاض، تحت شعار: "لَكِ الحق في التبرع بطفلك دون الكشف عن هويتك.. امنحيه فرصة!"

قيود تتسع رغم التشريعات الصارمة

أوضحت الصحيفة أنه رغم أن البرازيل تطبّق بالفعل أحد أكثر قوانين الإجهاض تقييدًا في العالم، حيث يُسمح به فقط في حالات الاغتصاب أو الخطر على حياة الحامل أو انعدام دماغ الجنين، فإن السنوات الأخيرة شهدت تحركات متزايدة لتضييق هذه الاستثناءات، من قبل مسؤولين منتخبين، أطباء، وأعضاء في الجهاز القضائي.

ففي ساو باولو، أوقفت أكبر مستشفى متخصص تنفيذ عمليات الإجهاض القانونية، بقرار من عمدة المدينة، الحليف السياسي للرئيس اليميني المتشدد السابق جايير بولسونارو. كما اقترح نائب في الكونغرس عن حزب بولسونارو مشروع قانون يفرض عقوبة بالسجن تصل إلى 20 عامًا على من يُجري الإجهاض بعد الأسبوع 22، حتى في حالات الاغتصاب أو تعريض حياة الحامل للخطر.

وفي عام 2023، فرض المجلس الطبي الفيدرالي في البرازيل، المُتهم بخضوعه لنفوذ أنصار بولسونارو، حظرًا على استخدام الطريقة الموصى بها من منظمة الصحة العالمية للإجهاض في مراحل الحمل المتأخرة. لكن المحكمة العليا لاحقًا أبطلت القرار، وعدته غير قانوني.

تداعيات حكم بولسونارو

تقول ديبورا دينيز، أستاذة الأنثروبولوجيا والباحثة البارزة في مجال حقوق الإنجاب، إن تصاعد القيود "نتاج مباشر لسنوات حكم بولسونارو"، حتى بعد مغادرته المنصب. وتضيف: "رغم انتهاء ولايته، فإن الحلفاء المؤسسيين لأجندته ما زالوا يسيطرون على هيئات تنظيمية كالمجلس الطبي الفيدرالي."

دينيز نفسها كانت قد أُجبرت على مغادرة البلاد عام 2018 بعد تهديدات بالقتل، إثر دعمها حملة لإلغاء تجريم الإجهاض حتى الأسبوع الـ12، وهي مبادرة قضائية توقفت لاحقًا.

ما يثير القلق، بحسب دينيز، هو "تفكك المعركة على مستوى السلطات المحلية"، حيث أصبحت ولايات وبلديات عدة تصدر قوانين تُقيد الوصول إلى الإجهاض، بما يتجاوز حتى القانون الفيدرالي.

أرقام قاتمة ومعاناة صامتة

أكدت "الغارديان" أنه على الرغم من مشروعية الإجهاض في بعض الحالات، فإن نحو 96% من المدن البرازيلية لا تمتلك مرافق أو أطباء مدربين لإجرائه، وفق بيانات حكومية، ويعني ذلك أن الإجهاض، حتى حين يكون قانونيًا، يظل غير متاح فعليًا لمعظم النساء، لا سيما في المناطق الفقيرة.

في ولاية غوياس، اضطرت فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا، كانت ضحية اغتصاب، للجوء إلى المحاكم بعد رفض مستشفى إجراء الإجهاض لها، ورغم أن محكمة عليا أجازت الإجراء لاحقًا، إلا أن قاضيًا ابتدائيًا كان قد حظر "أي وسيلة تؤدي إلى وفاة الجنين"، وفي هذه الولاية ذاتها، سُنّ قانون يُجبر النساء الراغبات في الإجهاض على الاستماع إلى نبضات قلب الجنين قبل المضي في الإجراء.

"قانون مشوّه أخلاقياً"

رغم أن رئيس بلدية ريو، إدواردو بايس، لا يُعرف عنه مواقف محافظة، فإن امتناعه عن استخدام الفيتو ضد قانون اللافتات يُنظر إليه على أنه "تنازل سياسي"، في ظل توقعات بأنه يعتزم الترشح لمنصب حاكم الولاية، وكان القانون قد طُرح من قبل ثلاثة أعضاء من اليمين المتطرف في مجلس المدينة.

دينيز وصفت النص بـ"القانون المشوّه أخلاقيًا"، معتبرة أن "إدعاءه الحرص على المرأة هو في الواقع شكل من أشكال اضطهادها، لأنه يقوم على مغالطات علمية ووصم اجتماعي".

وتقول إن الإشارة إلى أن الإجهاض يسبب العقم أو الموت "غير مدعومة علميًا"، مؤكدة أن "الإجهاض، عندما يُجرى بأمان وتحت إشراف طبي، لا يؤدي إلى تلك النتائج".

تحدي قانوني في الأفق

يوم الثلاثاء، رفع المدعي العام دعوى دستورية ضد القانون الجديد، مطالبًا بتجميد تنفيذه فورًا، ولم تصدر المحكمة المختصة قرارًا بعد، ما يترك مصير اللافتات معلقًا في واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في البرازيل المعاصرة.

الإجهاض في البرازيل

تُعد البرازيل من الدول التي تفرض قوانين شديدة التقييد على الإجهاض، حيث يُسمح به فقط في ثلاث حالات: إذا كان الحمل ناتجًا عن اغتصاب، أو يُهدّد حياة الحامل، أو في حال انعدام دماغ الجنين، ولا تشمل القوانين أسبابًا شائعة مثل التشوّهات الخلقية الأخرى أو الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية.

ورغم هذا الإطار القانوني الضيق، تُقدّر منظمات صحية أن مئات آلاف النساء يُجرين عمليات إجهاض سنويًا بشكل غير قانوني، غالبًا في ظروف غير آمنة، ما يسهم في ارتفاع معدلات الوفيات والإصابات الناتجة عنه، خصوصًا بين النساء الفقيرات.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن الإجهاض غير الآمن يمثل أحد الأسباب الرئيسية لوفيات الأمهات في أمريكا اللاتينية، وتُدرج البرازيل ضمن الدول ذات الأولوية في هذا السياق.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية