"نيويورك تايمز": توسيع تعريف "التوحد" وراء ارتفاع معدلات الإصابة 60 ضعفاً خلال 3 عقود
"نيويورك تايمز": توسيع تعريف "التوحد" وراء ارتفاع معدلات الإصابة 60 ضعفاً خلال 3 عقود
أكد وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكي، روبرت ف. كينيدي الابن، أن معدلات التوحد ارتفعت بنحو 60 ضعفًا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إلا أن اتهاماته الموجهة إلى اللقاحات والسموم البيئية لا تستند إلى أسس علمية، بحسب ما يؤكده البروفيسور الذي أشرف على تحديث معايير التشخيص.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الاثنين، قاد رئيس فريق العمل المُكلّف بإعداد الطبعة الرابعة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-IV) عملية تحديث مفصل لتعريف التوحد بين أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات.
وشمل التحديث إدخال اضطراب أسبرجر، وهو شكل أخف من التوحد، استجابةً لمطالب أطباء الأطفال والمعالجين النفسيين بتوسيع نطاق التشخيص.
من تعريف ضيق إلى طيف واسع
أدخل فريق العمل تشخيص اضطراب أسبرجر كمحاولة لاحتواء حالات لا تندرج تحت معايير التوحد الكلاسيكي الصارمة، توقّع الفريق زيادة طفيفة في عدد الحالات، لكن النتيجة كانت ارتفاعًا بمعدل تجاوز 16 ضعفًا، من واحد لكل 2500 طفل إلى واحد لكل 150، ثم لاحقًا إلى واحد لكل 31 طفلًا.
وأدى هذا التوسّع إلى زيادة واضحة في حالات الإفراط في التشخيص، وغذّى نظريات المؤامرة حول اللقاحات، ورغم عدم وجود دليل علمي يربط اللقاحات أو السموم البيئية بهذا الارتفاع، ظل الجدل مستمرًا.
استفادت بعض الأنظمة التعليمية من تشخيص التوحد لتوفير خدمات إضافية، ما شجع على استخدام التشخيص أحيانًا لأغراض غير دقيقة، كما أن غياب الحدود الواضحة بين السلوك الطبيعي واضطرابات الطيف أدى إلى تشخيص مفرط.
وفي عام 2013، استبدلت الطبعة الخامسة من DSM تشخيص أسبرجر بتشخيص موحد ضمن "اضطراب طيف التوحد"، ما عزز هذا الخلط.
ويصعب تشخيص التوحد بدقة بسبب غياب اختبار بيولوجي، وتباين الأعراض بين الأفراد، واختلاف نتائج الفحوصات، وعدم استقرار التشخيص مع مرور الوقت، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا في تعزيز التشخيص الذاتي، لا سيما مع توسع دلالة المصطلح.
وأسهم هذا التوسع في تقديم خدمات علاجية لعدد أكبر من الأطفال، لكنه أثار أيضًا القلق من التوسع في وصف السلوكيات غير الملائمة على أنها توحد.
آثار اجتماعية
أوضح الخبراء أن التشخيصات يجب أن تُوضع بعناية، لا أن تُوثّق كحقيقة ثابتة، خصوصًا في حالة الأطفال، يُمكن أن تُؤثر تشخيصات غير دقيقة على ثقة الشخص بنفسه وسلوكياته، وتُضعف الموارد المُتاحة لمن هم في أمس الحاجة.
وحذر أطباء نفسيون من تكرار سيناريوهات طبية سابقة مثل انتشار تشخيص اضطراب تعدد الشخصية أو فرط النشاط، مشيرين إلى ضرورة الحذر في التوسع غير المنضبط في استخدام طيف التوحد.
وعيّن وزير الصحة روبرت كينيدي الابن شخصيات مثيرة للجدل في لجان علمية مرموقة، وأقال 17 عضوًا من لجنة اللقاحات التابعة لمراكز السيطرة على الأمراض، وفتح الباب أمام متشككين باللقاحات، ما أثار مخاوف من تسييس المؤسسة العلمية.
غضب واسع بين العائلات
تُوّج الجدل بتصريح لكينيدي أشار فيه إلى أن المصابين بالتوحد لا يدفعون الضرائب، ما أشعل غضبًا واسعًا بين العائلات والمجتمعات الطبية.
وطالب الأطباء والباحثون بضرورة أن يتولى وزارة الصحة مسؤول يمتلك الحكمة العلمية، ويُحسن توجيه الموارد المحدودة نحو الأبحاث الجادة، بدلًا من نشر علم زائف وتأجيج خطاب الكراهية.
وشدّد الخبراء على أن التوحد ملف طبي وإنساني دقيق، لا يحتمل الخطابات الشعبوية أو نظريات المؤامرة، ويحتاج المجتمع إلى سياسات رصينة تحترم العلم وتُراعي مصالح المصابين وأسرهم على حد سواء.