بريطانيا تعود إلى الردع النووي المحمول جوّاً بمقاتلات أمريكية حديثة

بريطانيا تعود إلى الردع النووي المحمول جوّاً بمقاتلات أمريكية حديثة
أسلحة نووية - أرشيف

أعلنت الحكومة البريطانية، في خطوة وُصفت بأنها "الأكبر منذ جيل" في تحديث قدراتها النووية، أنها ستعيد العمل بما يُعرف بـ"الردع النووي المحمول جوًّا"، من خلال شراء 12 مقاتلة من طراز F-35A الأمريكية، القادرة على حمل رؤوس نووية تكتيكية، لتُضاف إلى ترسانة الردع الحالية القائمة على الغواصات فقط.

وأكدت رئاسة الوزراء البريطانية، في بيان رسمي، أن رئيس الحكومة كير ستارمر سيُعلن عن القرار، اليوم الأربعاء، خلال مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في لاهاي، موضحة أن القرار يأتي في إطار التزام لندن بتعزيز مساهمتها في بنية الردع النووي للناتو في مواجهة "التهديدات المتزايدة"، ولا سيما من روسيا، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الأربعاء.

وقال ستارمر: "هذه المقاتلات ثنائية الاستخدام ستُطلق عصراً جديداً لسلاح الجو الملكي، وتُشكّل عنصر ردع أمام التهديدات العدائية الموجهة ضد المملكة المتحدة وحلفائنا".

عودة إلى "الردع النووي الجوي"

يمثل القرار تحوّلاً استراتيجياً لافتاً، إذ أنهى أكثر من ثلاثة عقود من الاعتماد البريطاني الحصري على الغواصات النووية في تنفيذ استراتيجية الردع، منذ انتهاء الحرب الباردة في تسعينيات القرن الماضي.

وقالت إيلويز فاييه، الخبيرة في الشؤون النووية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، لوكالة فرانس برس، إن "هذا الإعلان يعكس الحاجة المتجددة في أوروبا لتعزيز الردع النووي بعد غياب طويل، وهو استجابة مباشرة لتزايد الأخطار الروسية".

وأضافت: "أُعيد الاعتبار للأسلحة النووية التكتيكية بعد عقود من التراجع، والعودة إلى الردع الجوي تُمثّل حلقة جديدة في إعادة التسلح النووي الأوروبي".

وبحسب البيان البريطاني، فإن مقاتلات F-35A -التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن الأمريكية- ستحمل صواريخ نووية من طراز B61 الأمريكية، تمامًا كما هو معمول به في دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وإيطاليا وهولندا، حيث تنتشر أسلحة نووية أمريكية في إطار استراتيجية "الردع المشترك" داخل الناتو.

بريطانيا تعزّز التزاماتها الدفاعية 

وتأتي الخطوة البريطانية الجديدة في سياق تصعيد مستمر في السياسة الدفاعية البريطانية تجاه روسيا، التي تُعد التهديد الأبرز للناتو، خصوصاً منذ بداية الحرب في أوكرانيا عام 2022.

وكانت لندن قد أعلنت في وقت سابق من يونيو خططًا لبناء 12 غواصة نووية هجومية جديدة، وإنشاء 6 مصانع ذخيرة جديدة، في إطار ما وصفته بأنه "أكبر استثمار في الدفاع الوطني منذ الحرب العالمية الثانية"، بالتزامن مع تعهد الحكومة بزيادة الإنفاق العسكري إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، وبلوغ 3% بحلول عام 2029.

ومن المتوقع أن تُنشر المقاتلات الجديدة في قاعدة مارهام الجوية بشرق إنكلترا، بعد سنوات من مطالبة القوات الجوية الملكية بهذا النوع من المقاتلات، التي تتجاوز إمكانات المقاتلات البريطانية الحالية من طراز F-35B.

السياق النووي الأوروبي

وبينما رحّب الأمين العام للناتو مارك روته بالخطوة واصفًا إياها بأنها "مساهمة قوية جديدة من بريطانيا"، فإن الخبراء يرون أن هذه العودة البريطانية إلى الردع النووي الجوي ليست مستقلة تمامًا، وإنما خاضعة للموافقة الأمريكية، نظرًا لأن الأسلحة المستخدمة ستكون ضمن الترسانة النووية الأمريكية المتمركزة في أوروبا.

وقالت فاييه: "لن يكون للبريطانيين السيطرة الكاملة على استخدام هذه الرؤوس النووية، فهي جزء من نظام الردع التابع للناتو، ولا تُستخدم إلا بموافقة مباشرة من الولايات المتحدة".

وبذلك تنضم بريطانيا إلى سبع دول أعضاء في الناتو تمتلك طائرات ذات قدرة نووية مزدوجة، من بينها ألمانيا وتركيا وبلجيكا.

تحذيرات من أخطار متزايدة

من جهته، حذر وزير الدفاع البريطاني جون هيلي من أن العالم يواجه اليوم "أخطاراً نووية جديدة"، إذ تقوم "دول كبرى بتحديث ترساناتها وتطوير صواريخها"، مشيرًا إلى أن الاستثمار في القدرات النووية يمثل "ضرورة دفاعية ملحّة".

وأكد أن هذه التحديثات تأتي في وقت "لم يعد السلام فيه أمرًا مفروغًا منه"، في إشارة إلى تصاعد المواجهة الغربية مع موسكو، خصوصًا بعد تهديدات الأخيرة باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية في حال تطور الصراع في أوكرانيا.

ويخشى مراقبون أن تفتح هذه الخطوات الباب أمام سباق تسلح نووي جديد داخل أوروبا، وسط دعوات من أطراف في ألمانيا وفرنسا إلى مراجعة شاملة لسياسات الردع، لا سيما مع انسحاب الولايات المتحدة جزئيًا من التزاماتها العسكرية التقليدية في المنطقة، وتأثير ذلك في توازن القوى.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية