إشبيلية تحتضن قمة إنعاش التنمية وسط انسحاب أمريكي وتحديات تمويلية

إشبيلية تحتضن قمة إنعاش التنمية وسط انسحاب أمريكي وتحديات تمويلية
إشبيلية

يجتمع قادة وزعماء وخبراء من مختلف أنحاء العالم هذا الأسبوع في مدينة إشبيلية الإسبانية لعقد المؤتمر الدولي الرابع حول تمويل التنمية، وذلك برعاية الأمم المتحدة، وفي ظل انسحاب الولايات المتحدة من المحادثات النهائية، وغياب أي تمثيل رسمي لها، احتجاجًا على ما وصفته بـ"الهيئات الموازية" التي تمسّ بـ"السيادة الوطنية".

ومن المقرر أن تنطلق أعمال المؤتمر يوم الاثنين المقبل، وتستمر حتى الخميس، بمشاركة نحو 70 رئيس دولة وحكومة، بالإضافة إلى أكثر من أربعة آلاف ممثل عن المجتمع المدني والهيئات المالية الدولية الكبرى، في ظل تصاعد القلق العالمي من التراجع الحاد في تمويل التنمية والمساعدات الإنسانية، وفق فرانس برس.

ترامب ألغى البرامج والمجتمع الدولي يتأثر

شهدت السنوات الأخيرة تقلصًا كبيرًا في المساعدات الخارجية الأمريكية، بعد قرارات إدارة الرئيس دونالد ترامب بإلغاء معظم برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، ما أحدث فجوة تمويلية كبيرة أثرت بشكل مباشر على مشاريع إنسانية وتنموية حول العالم.

وكانت واشنطن سابقًا أكبر مانح دولي للمساعدات، لكن انسحابها من التمويل أدى إلى تسريح موظفين وتجميد مشاريع، ففي بنغلاديش اضطرت اليونيسف إلى تسريح نحو ألف معلم في مخيمات الروهينغا، وفي الكونغو الديمقراطية خفضت الأمم المتحدة أنشطتها الإنسانية إلى النصف، كما تهدد أزمة التمويل في إفريقيا الجنوبية بتقويض التقدم في مكافحة فيروس الإيدز.

العجز السنوي بلغ 4000 مليار دولار

أوضح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن الدول النامية تواجه عجزًا سنويًا يبلغ نحو 4 تريليونات دولار، بزيادة 1.5 تريليون مقارنة بعام 2015، ما يعكس اتساع الفجوة التمويلية رغم ازدياد الحاجات الإنسانية والإنمائية.

وقال غوتيريش إن المؤتمر يمثل فرصة لإصلاح النظام المالي الدولي "المتقادم"، مشددًا على أن "العالم لا يستطيع السماح بتبدد طموحاته في ظل نظام يعاني خللاً هيكليًا".

إصلاح النظام المالي وزيادة تمثيل الجنوب

تبنّت مسودة الإعلان الختامي للمؤتمر مواقف تدعو إلى إعادة هيكلة النظام المالي العالمي، عبر تعزيز تمثيل دول الجنوب في المؤسسات الدولية، ورفع القدرة الإقراضية للمصارف الإنمائية ثلاث مرات، وتوفير تمويل مستدام يمكن التنبؤ به للقطاعات الاجتماعية الحيوية مثل الصحة والتعليم.

كما شددت الوثيقة على ضرورة تكثيف التعاون الدولي لمواجهة التهرب الضريبي وتعزيز العدالة المالية، وهو ما رحّب به الاتحاد الأوروبي في إطار ما وصفه بـ"تسوية إشبيلية"، التي ستتبعها إعلانات منفردة ضمن "منصة العمل".

منظمات غير حكومية تنتقد الوثيقة الختامية

في المقابل، وجهت منظمات غير حكومية، أبرزها "تنسيقية الجنوب"، انتقادات حادة إلى الوثيقة الختامية للمؤتمر، معتبرة أنها "أفرغت من مضمونها الحقيقي تحت ضغط دول الشمال"، التي فرضت أولوياتها السياسية على حساب العدالة المالية الحقيقية.

ورأت هذه المنظمات أن المفاوضات التي بدأت واعدة انتهت بتنازلات أفقدت النص قوته، مطالبة بخطوات ملموسة تضمن تمويلًا إنمائيًا مستدامًا وشاملًا وعادلًا.

أزمة التمويل تهدد التعددية وأهداف التنمية

قال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في كلمة عبر الفيديو إن العالم يواجه اليوم "تحديات هائلة"، محذرًا من أن العجز المالي يهدد أهداف التنمية المستدامة ويضعف العمل المتعدد الأطراف في مواجهة الأزمات، بما فيها الأزمة المناخية.

وأشار إلى أن أزمة الدين العام المتصاعدة منذ جائحة كوفيد-19 أجبرت الدول النامية على خفض نفقاتها في الصحة والتعليم لصالح تسديد الديون، ما يضاعف من هشاشة أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.

ضغوط متزايدة

تأتي القمة في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي ضغوطًا متزايدة، نتيجة النزاعات المسلحة في أوكرانيا والشرق الأوسط، وتصاعد الإنفاق العسكري على حساب برامج التنمية، فضلًا عن تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية المشددة على حركة التجارة.

وتُعتبر هذه القمة الأولى منذ مؤتمر أديس أبابا عام 2015، وسط ترقب دولي لما إذا كانت ستفضي إلى نتائج عملية أم ستظل في إطار الخطابات والوعود.

يشكل تمويل التنمية أحد التحديات الرئيسية في النظام الدولي، خاصة مع تفاقم الأزمات الصحية والبيئية والاقتصادية في السنوات الأخيرة. ومنذ اعتماد أجندة 2030 للتنمية المستدامة، يتصاعد الضغط على المجتمع الدولي لتمويل احتياجات الدول النامية، غير أن الاقتطاعات الأمريكية وغياب التزامات ملزمة من الدول الكبرى أضعفا قدرة الأمم المتحدة على تنفيذ برامجها، ما أعاد تسليط الضوء على الحاجة لإصلاح النظام المالي العالمي بما يضمن عدالة وشمولية التمويل الإنمائي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية