تغيير طرق الهجرة.. المهربون يتجهون جنوباً ومخاطر العبور تتفاقم

تغيير طرق الهجرة.. المهربون يتجهون جنوباً ومخاطر العبور تتفاقم
مهاجرون غير شرعيين - أرشيف

شهد مسار الهجرة غير النظامية إلى جزر الكناري الإسبانية تحولات جذرية خلال الأسابيع الأخيرة، مع تزايد انطلاق القوارب من سواحل غينيا، في محاولة من شبكات التهريب لتجاوز الرقابة الأمنية المشددة المفروضة قبالة موريتانيا والسنغال منذ مطلع العام الجاري.

أعلن مندوب الحكومة الإسبانية في جزر الكناري، أنسيلمو بيستانا، أن التحول في المسارات لم يقتصر على غينيا فحسب، بل امتد ليشمل الجزائر، حيث بات بعض المهاجرين يغيّرون وجهتهم بهدف الوصول إلى جزر البليار بدلاً من جزر الكناري، في مسعى للهروب من نقاط المراقبة التقليدية على طول الساحل الغربي لإفريقيا، بحسب ما ذكر موقع "مهاجر نيوز"، الاثنين.

وأدى هذا التغيير الجغرافي في مسارات التهريب إلى إطالة مدة العبور بشكل ملحوظ، إذ تستغرق الرحلة الآن ما يصل إلى 10 أيام في عرض المحيط الأطلسي، ما يزيد من احتمالات غرق القوارب، أو نفاد المؤن، أو انجراف المهاجرين إلى أماكن نائية، مثل أمريكا الجنوبية.

وحذّر بيستانا من أن "الخطر على حياة الأشخاص بات أكبر بكثير"، موضحًا أن البعض قد يضل طريقه نحو منطقة الكاريبي أو سواحل البرازيل، وسُجلت بالفعل حوادث سابقة عُثر فيها على قوارب انطلقت من غرب إفريقيا، وانتهى بها المطاف في أمريكا الجنوبية بعد أن فُقدت في عرض البحر.

أرقام مفزعة للمهاجرين

قدّرت منظمة "كاميناندو فرونتيراس" الإسبانية أن عام 2024 وحده شهد وفاة أو فقدان 10,457 شخصًا أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا، معظمهم عبر طريق جزر الكناري. ويُعد هذا الرقم من أعلى معدلات الوفيات في مسارات الهجرة البحرية العالمية.

سجّلت السلطات الإسبانية وصول 46,843 مهاجرًا إلى جزر الكناري خلال العام ذاته، معظمهم من دول غرب إفريقيا، مثل السنغال ومالي وساحل العاج وغينيا. وتؤكد الأرقام أن جزر الكناري تواجه أزمة استيعاب غير مسبوقة.

وسجّل تقرير لوكالة "فرونتكس" الأوروبية لحرس الحدود تراجعًا بنسبة 41% في أعداد الوافدين غير النظاميين إلى جزر الكناري منذ بداية 2025. فبينما وصل 7,338 مهاجرًا في نوفمبر 2024، لم يتجاوز عدد الوافدين في مايو 2025 445 مهاجرًا.

عزا التقرير هذا الانخفاض إلى تشديد الرقابة البحرية قبالة سواحل السنغال وموريتانيا، نتيجة اتفاقيات التعاون الأخيرة بين حكومات هذه الدول وإسبانيا، وشملت الإجراءات الميدانية تفكيك شبكات للاتجار بالبشر، كان أبرزها عملية الدرك الموريتاني في أبريل 2024، والتي أسفرت عن اعتقال 117 شخصًا ومصادرة معدات تهريب.

تحذيرات من ارتفاع الأعداد

أكدت وكالة "فرونتكس" أن الضغط لا يزال مرتفعًا على جزر الكناري، مشيرة إلى أن الانخفاض المسجل لا يعكس تغيرًا دائمًا، بل هو مرتبط بعوامل موسمية. وتوقعت الوكالة أن تعود الأعداد للارتفاع مجددًا خلال الفترة من أغسطس إلى نوفمبر، بفعل تحسن الأحوال الجوية.

أشارت الوكالة أيضًا إلى أن غياب الاستقرار في منطقة الساحل وتنامي أنشطة التهريب في موريتانيا وغينيا، سيؤديان إلى استمرار تدفق المهاجرين، حتى وإن تراجعت الأرقام مؤقتًا.

وتحولت غينيا إلى نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين في الآونة الأخيرة، كون سواحلها أقل مراقبة من جيرانها، بحسب تقارير إسبانية رسمية، كما أصبحت غينيا بيساو وجهة مفضلة للمهربين، بفضل ساحلها الذي يمتد لأكثر من 200 كيلومتر، ومعالمها الجغرافية المعقدة، مثل أرخبيل بيجاغوس المؤلف من 88 جزيرة، والتي تتيح إطلاق القوارب بعيدًا عن أعين المراقبة.

ويبعد هذا الأرخبيل أكثر من 1800 كيلومتر عن جزر الكناري، ما يجعل عبور هذه المسافة في قوارب صغيرة محفوفًا بمخاطر شديدة، خاصة في ظل محدودية الإمكانيات لدى المهاجرين، وانعدام معدات الملاحة الدقيقة.

قوارب تحمل جثث مهاجرين 

لم تُحقق محاولة المهربين الالتفاف على الرقابة بالاتجاه إلى الجزائر نجاحًا أكبر من الطرق التقليدية. فقد عُثر مؤخرًا على قوارب تحمل جثث مهاجرين من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء في جزر البليار، ما يعكس تزايد الخطورة على هذا الطريق كذلك.

أكدت السلطات الإسبانية أن هذا المسار البحري الجديد يخضع الآن لتحقيق أمني مكثف، في محاولة لفهم شبكات التهريب التي باتت تخرج من الجزائر نحو الساحل الشرقي لإسبانيا، رغم ظروف البحر المتوسط الأكثر اضطرابًا مقارنة بالمحيط الأطلسي.

وتُظهر هذه التحولات المستمرة في مسارات الهجرة غير النظامية أن الضغوط الأمنية وحدها لا تكفي لوقف حركة البشر الباحثين عن حياة أفضل، بل تدفعهم فقط إلى طرق أكثر خطورة. وبينما تستمر الحكومات في توقيع اتفاقيات أمنية وتشديد المراقبة، يبقى المهاجرون ضحايا لعبة جغرافية يتبدّل فيها الموقع لكن لا يتغير المصير.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية