رئيس "حقوق الإنسان" في ليبيا لـ"جسور بوست": الاشتباكات الأخيرة تهدد المدنيين وتفاقم النزوح القسري
عقب تصاعد أحداث العنف في طرابلس
أعرب الدكتور أحمد حمزة، رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، عن بالغ قلقه إزاء تكرار المواجهات المسلحة وتصاعد وتيرة العنف في بعض المدن والمناطق الليبية، لا سيما الاشتباكات الأخيرة التي اندلعت بين مجموعات مسلحة في ضواحي العاصمة طرابلس، والتي شهدت استخداماً مفرطاً للقوة والأسلحة الثقيلة داخل مناطق مأهولة بالسكان المدنيين.
وأوضح حمزة في تصريح خاص لـ"جسور بوست" أن هذه الأحداث ليست منعزلة، بل تندرج ضمن نمط متكرر من العنف المرتبط بصراعات السيطرة والنفوذ بين الفصائل المسلحة، التي باتت تفرض منطق القوة على حساب سيادة القانون وحقوق الإنسان، وقد أسفرت هذه المواجهات عن سقوط ضحايا مدنيين، وتسببت في حالة من الذعر الجماعي، وتعطّل العديد من المرافق الحيوية والخدمية، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه، فضلاً عن إغلاق المدارس والمستشفيات، وعرقلة وصول الإمدادات الأساسية.
النزوح القسري
وأضاف: "لقد أجبرت هذه الاشتباكات العديد من العائلات، خصوصاً النساء والأطفال، على الفرار من منازلهم في ظروف بالغة القسوة، ودون أي ضمانات للحماية أو الإيواء. ويُعد هذا النزوح القسري مؤشراً صارخاً على عمق الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وسط غياب تام لأي استجابة فعالة من السلطات المعنية".
وتابع قائلاً: "بطبيعة الحال، فإن استمرار هذا النهج التصعيدي ستكون له تداعيات خطِرة ومركبة على مستوى الأمن الفردي والجماعي، حيث يجد السكان أنفسهم عالقين بين خطوط التماس، ومهددين بخطر الإصابة أو القتل، ناهيك عن فقدان منازلهم ومصادر رزقهم، في ظل تردي الأوضاع المعيشية".
وأشار حمزة إلى أن هذه التوترات ليست جديدة، بل تأتي في سياق عام من التدهور المزمن في المشهد الليبي، منذ سقوط النظام السابق عام 2011، حيث أدى غياب مؤسسات الدولة وضعف سلطة القانون إلى تكريس سطوة الجماعات المسلحة، في ظل انقسام سياسي حاد بين حكومتين متنافستين، واحدة في طرابلس وأخرى في بنغازي، ما عمّق من حالة الانفلات الأمني، وأجهض كل المبادرات الرامية إلى تحقيق تسوية شاملة.
خسائر متنوعة
وأردف الحقوقي الليبي: "إن كلفة هذه الفوضى لا تقتصر على الخسائر البشرية والمادية، بل تشمل أيضاً ضياع فرص التنمية، وتدهور الاقتصاد، واتساع رقعة الفقر، فضلاً عن الانعكاسات النفسية والاجتماعية على السكان، خاصة الأطفال والشباب الذين نشؤوا في بيئة يغلب عليها العنف واليأس".
كما عبر حمزة عن أسفه لما وصفه بـ"التقاعس الدولي"، مشيراً إلى أن "صمت المجتمع الدولي وتراخي المؤسسات الأممية عن اتخاذ خطوات حاسمة لدعم مسار سياسي موحّد، قد أسهم في إطالة أمد الأزمة، وسمح باستمرار الانتهاكات دون مساءلة".
ودعا رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في كافة مناطق الاشتباك، وضمان وصول آمن وسريع لفرق الإغاثة الطبية والإنسانية إلى المناطق المنكوبة، ومحاسبة المسؤولين عن استهداف المدنيين وممتلكاتهم.
دعم المصالحة الوطنية
كما طالب بدعم جهود المصالحة الوطنية، وإعادة إطلاق عملية سياسية شاملة تضمن مشاركة كل الأطراف الليبية تحت إشراف أممي واضح ومحدد الإطار الزمني.
واختتم أحمد حمزة تصريحه بالتأكيد على أن "السلام الدائم لا يُبنى بالرصاص أو فرض الأمر الواقع بالقوة، بل بالإرادة الوطنية الصادقة، وبالاحتكام إلى القانون، ووضع مصلحة المواطن الليبي فوق كل الاعتبارات الفئوية والجهوية"، مشدداً على أن الاستقرار في العاصمة طرابلس يجب أن يكون أولوية وطنية ودولية، باعتباره حجر الأساس لأي تحول ديمقراطي حقيقي، يقود البلاد إلى الانتخابات واستعادة مؤسسات الدولة.
تشهد العاصمة طرابلس بين الحين والآخر توترات عسكرية نتيجة الصراعات بين الفصائل المسلحة والميليشيات النافذة، رغم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر 2020، ويُعد الاستقرار الأمني في العاصمة أحد الشروط الأساسية لإنجاح أي عملية سياسية تقود إلى الانتخابات، لكن استمرار الانقسامات السياسية والمنافسة بين الحكومتين المتنازعتين على الشرعية لا يزال يُضعف فرص الحل السلمي في ليبيا.
تعاني ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 من فوضى سياسية وأمنية، وسط صراع بين حكومات متنافسة وجماعات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة.
ورغم توقيع اتفاقات سياسية برعاية الأمم المتحدة، لا تزال البلاد منقسمة بين سلطتين رئيسيتين: حكومة الوحدة الوطنية في الغرب، وحكومة مكلفة من البرلمان في الشرق، ما فاقم حالة الانقسام والفوضى والانتهاكات الحقوقية، خاصة في ظل عجز السلطات عن فرض الأمن ومحاسبة المتورطين في جرائم خطف وتعذيب وابتزاز.