"نيويورك تايمز": تعليق خط الدعم النفسي يترك شباب مجتمع الميم دون ملاذ آمن
"نيويورك تايمز": تعليق خط الدعم النفسي يترك شباب مجتمع الميم دون ملاذ آمن
أيّد قضاة المحكمة العليا الأمريكية قانون ولاية تينيسي القاضي بحظر الرعاية الطبية التي تُؤكد النوع الاجتماعي للقاصرين المتحولين جنسيًا، وبالتزامن، أوقف مسؤولو إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التمويل المخصص للخط الساخن للوقاية من الانتحار والمتخصص في تلقي مكالمات من المتصلين من مجتمع الميم.. لم يأتِ هذا التزامن من قبيل المصادفة، بل كشف عن فشل جوهري في إدراك الواقع المعقد الذي يعيشه الأطفال المتحولون جنسيًا في الولايات المتحدة.
يقول جيسون تشيركيس، وهو صحفي أمريكي يعمل حاليًا على تأليف كتاب عن الانتحار، في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الخميس، "قضيتُ عاماً كاملاً أعمل في عطلات نهاية الأسبوع على الخط الساخن الوطني 988 للوقاية من الانتحار والأزمات النفسية، ضمن مؤسسة غير ربحية مقرها ولاية ماريلاند.. لم أكتفِ بقراءة تقارير أو تحليل بيانات، بل سعيت إلى اختبار ثقل المسؤولية المباشرة عن حياة بشر يفكرون في الانتحار، والاستماع إلى قصصهم وهم في أقصى حالات الضعف".
ويوضح: "استقبلت مكالمات من ولايات ريفية نائية تفتقر إلى وسائل النقل العام والخدمات الصحية النفسية، تحدثتُ إلى نساء طاعنات في السن من أسرتهن في دور رعاية، وطلاب جامعيين محبطين، وعمال أنهوا نوباتهم في ترتيب رفوف المتاجر.. اتصل بي أشخاص من ملاجئ مكتظة، وآخرون من سياراتهم في العتمة.. لم أكن أعرف قطّ إلى أين ستقودني المكالمة، لكنني تمسكت دائمًا بمبدأ: ابقَ معهم طالما يريدون، وكن متواضعًا".
أصوات منسية بأماكن مُهمّشة
غطّت المنظمة غير الربحية التي عملت فيها، إلى جانب الخط الوطني 988، خطوطًا متخصصة لسكان ألاسكا، وخطًا مخصصًا لأشخاص يعانون أمراضًا نفسية شديدة في نيويورك، وخطًا لحالات إيذاء النفس والاغتصاب، حمل كل خط وعدًا ضمنيًا بالاستماع والتفهم والخبرة.
سجّلت تقارير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن الانتحار يُعد أحد الأسباب الرئيسة للوفاة بين المراهقين والشباب في الولايات المتحدة، وبيّنت البيانات أن خطر محاولة الانتحار يرتفع بحدة بين الشباب من مجتمع الميم، بسبب الوصمة المجتمعية، وغياب الدعم الأسري، والتمييز المؤسسي.
ويقول تشيركيس: "عندما كنت أتلقى مكالمة من مشروع تريفور، وهو خط مخصص للمتحولين جنسيًا من الأطفال والشباب، كنت أتنفس بعمق وأتهيأ لوجع حاد، حيث أشار مشرفو الخطوط النفسية إلى أن نسبة محاولات الانتحار بين هؤلاء الأطفال مرتفعة للغاية، حتى إنهم طلبوا منا سؤال المتصل مباشرة عن وجود نية حالية للانتحار.. كنتُ غالبًا أسمع صوت طفل صغير، مرتجف، يبحث عن معنى لحياته".
وأضاف: "قال لي أحدهم إن اضطراب الهوية الجندرية يشبه (تعذيبًا جسديًا متواصلًا، واعترف آخرون بمحاولات سابقة للانتحار، واجهت حالات كثيرة من شباب يفكرون في الموت يوميًا.. لم يكن هؤلاء الأطفال يبحثون عن تلقين أيديولوجي، كما زعمت إدارة ترامب، بل عن شخص بالغ موثوق به يُصغي إليهم".
واتهم مسؤولو مكتب الإدارة والميزانية في إدارة ترامب الخط الساخن زورًا بأنه "يُلقّن الأطفال أفكارًا متطرفة حول النوع الاجتماعي دون علم أهاليهم"، هذا الاتهام السياسي الجاف، تجاهل ما سمعته مرارًا من هؤلاء الأطفال.. كانوا يتمنون لو أن آباءهم لا يُنكرون هويتهم، أو يرددون شعارات الكراهية المنتشرة في أقصى اليمين، أرادوا فقط أن يشعروا أنهم ليسوا وحيدين.
وارتبطت مكالمات كثيرة بقوانين جديدة في ولايات مثل أريزونا ويوتا وأيوا، تحظر أو تقيّد الانتقال الجندري، أثبتت دراسات مشروع تريفور وجود علاقة مباشرة بين هذه القوانين وبين ارتفاع معدلات محاولات الانتحار بين المتحولين جنسيًا وغير الثنائيين.
لا ضمانة للسلامة
يقول تشيركيس: "تحدث إليّ رجل متحول جنسيًا من ولاية ريفية، قال لي: (أحتاج إلى سبب واحد يجعلني أعيش)، وأخبرني أحد الزملاء عن مكالمة من امرأة متحولة جنسيًا كانت محجوزة داخل جناح للأمراض النفسية.. لكن حتى هناك، لم يكن هناك من يضمن سلامتها.. لم أجرؤ على إطلاق وعود بأن الأمور ستتحسن، لأن السياسات لا تتغير بسهولة، والمجتمع لا يلين فجأة، لم يكن بوسعي سوى الاستماع، وتأكيد شعورهم بالمعاناة.. وهذا وحده، كان كافيًا ليشعروا أنهم غير مخطئين في طلب المساعدة".
وأضاف: "طلب مني هؤلاء الأطفال عالماً أكثر أمانًا، لم يقترحوا حلولاً مستحيلة، بل تمنوا بضع إشارات أمان: معلمة تضع قلادة بألوان قوس قزح، جار يرفع علم المتحولين جنسيًا، أمين مكتبة يبتسم لطفل بهيئة غير نمطية، هذه ليست رموزًا سطحية، بل إشارات نجاة في عالم عدائي".
وتابع: "يمكن لأي كلية مجتمعية أن تفتح أبواب مكتبتها وساحاتها أمام شباب مجتمع الميم، يمكن لمعلم أو ممرض أو سائق حافلة أن يمنح طفلًا متحولًا لحظة دفء واحدة، تحميه من فكرة الانتحار".
وقال تشيركيس: "نادراً ما يُجرى تدخل جراحي للقاصرين، لكن الكراهية المُمنهجة التي تغذيها خطابات رسمية لا تزال حاضرة بقوة.. في نهاية كل مكالمة تقريبًا، سواء كانت من طفل في مدينة كبرى أو من شاب متحول في ولاية ريفية، كان هناك سؤالٌ واحدٌ يتكرر بصوت خافت ومكسور: (إلى من ألجأ؟)".