"الإيكونوميست": اقتصاد الحرب الإيراني يُضعف الحقوق الاجتماعية ويعمّق معاناة الفقراء

"الإيكونوميست": اقتصاد الحرب الإيراني يُضعف الحقوق الاجتماعية ويعمّق معاناة الفقراء
الاقتصاد الإيراني- تعبيرية

 

سجّل الاقتصاد الإيراني تدهورًا حادًا حتى قبل اندلاع الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة، إذ بلغ معدل البطالة بين السكان في سن العمل نحو 60%، فيما تجاوزت نسبة التضخم السنوي 35%، واضطر المسؤولون إلى تشغيل محطات الكهرباء بالمازوت، وهو وقود منخفض الجودة، رغم استمرار تصدير النفط والغاز.

ووفقًا لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، الجمعة، تُظهر تقديرات البنك الدولي أن 18% من السكان يعيشون تحت خط الفقر.

استهدفت الغارات الإسرائيلية منشآت اقتصادية حيوية، إلى جانب المواقع العسكرية والنووية، حيث ضربت الطائرات حقلين للغاز وعددًا من حقول النفط، كما دمّرت مصنعًا للسيارات، وسعى القادة الإسرائيليون، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى تقويض قدرات إيران النووية من خلال إنهاك اقتصادها.

العقوبات الاقتصادية

فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، سلسلة من العقوبات التي كبّلت معظم القطاعات الاقتصادية الإيرانية.

حظرت تلك الإجراءات التعامل مع النفط الإيراني، وهو المصدر الرئيسي للعائدات، وقيّدت تعاملات البنوك الإيرانية، ومنعت الشركات من المتاجرة في مجالات المعادن والسيارات والنسيج.

أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية آلاف الأفراد والمؤسسات الإيرانية على لائحتها السوداء، ووسّعت القائمة شهريًا.

استثنت العقوبات رسميًا المزارعين وشركات الأدوية، لكنها فرضت عليهم بيروقراطية معقدة تعيق استيراد المعدات والمواد الأساسية.

كشف تقرير سابق لصندوق النقد الدولي أن إيران صدّرت ما قيمته 46 مليار دولار من النفط في عام 2018، أي نصف صادراتها، تُقدّر صادرات النفط في 2025 بنحو 1.7 مليون برميل يوميًا، وهو نفس المستوى تقريبًا لعام 2024، رغم الهجمات الأخيرة على البنية التحتية النفطية.

فشلت إيران في التواصل مع النظام المالي العالمي بسبب العقوبات، وفقدت القدرة على استخدام نظام الدفع الأوروبي "سويفت"، وأُجبرت على استخدام وسائل غير رسمية لدفع مستحقات شركائها حتى في الصين وروسيا.

توقّع البنك الدولي انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.6% خلال 12 شهرًا، ركّزت الشركات الإيرانية الناشئة على السوق المحلي نظرًا لصعوبة التصدير، وشهدت إيرادات الدولة من النفط والضرائب تراجعًا من 17% إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2018 و2024.

لجأت الحكومة إلى السحب من صندوق الثروة السيادية، وطباعة النقود، لتعويض العجز الذي بلغ 3% من الناتج المحلي، أدى ذلك إلى تضخم مفرط زاد من العبء المعيشي على المواطنين، ودفع بمزيد من الأسر إلى دائرة الفقر.

إمبراطورية الحرس الثوري

أحكم جهاز الحرس الثوري الإيراني قبضته على مفاصل الاقتصاد من خلال ثلاث قنوات رئيسية: الاستثمارات المحلية، وتجارة النفط غير الرسمية، وشبكات التهريب.

أسّس الحرس منذ عام 1990 شركة "خاتم الأنبياء"، التي تحوّلت إلى أكبر مقاول بناء في البلاد، تملك الشركة استثمارات ضخمة في البتروكيماويات والأنفاق وصناعة السيارات، وتُقدّر قيمتها السوقية بنحو 50 مليار دولار، وفق مسؤولين غربيين.

يسيطر الحرس الثوري جزئيًا على نصف الشركات المسجلة في إيران، بحسب تقديرات دبلوماسية، ويمثل هذا التغلغل المالي تحديًا لأي إصلاح اقتصادي أو رقابة حكومية على العائدات.

النفط المهرب

ضاعف الحرس الثوري أرباحه من تجارة النفط خلال السنوات الأخيرة، وقد منحته الحكومة نحو 500 ألف برميل يوميًا، أي ربع صادرات البلاد، بدلًا عن الاعتمادات النقدية، في ظل نقص السيولة.

باع الحرس هذه الكميات عبر شبكات بورصات وهمية، معظمها في الصين، وبأسعار تقل عن أسعار السوق الرسمية، وصف مسؤول أمريكي هذه الشبكة بأنها "أرخص وأكثر كفاءة" من آلية الحكومة الرسمية.

اعتمد الجهاز أيضًا على خطوط تهريب تقليدية، متورطًا في نقل المخدرات من أفغانستان إلى أوروبا، واستيراد السجائر والإلكترونيات والسلع النادرة، وبيعها بأسعار مضاعفة في السوق الإيراني.

صعّب تنوّع مصادر تمويل الحرس الثوري الإيراني من فعالية العقوبات الغربية، وأدى تشديد القيود على المؤسسات الرسمية إلى تعزيز شبكات الاقتصاد الموازي التي يديرها الحرس.

أكّد مسؤول أمريكي أن بعض المشترين يفضلون التعامل مع الحرس بدلًا عن الحكومة لسهولة التهرب من القيود الدولية، وأشار مراقبون إلى أن استهداف مواقع الحرس العسكرية قد يتوسع في حال تصاعدت التوترات مع إسرائيل.

تتداخل تلك المواقع مع خطوط التجارة الموازية، وقد تتطلب إصلاحات ضخمة في حال قُصفت.

الشعب يدفع الثمن

أثّرت السياسات العقابية المتبادلة بين طهران وتل أبيب بشكل مباشر في السكان، تفاقمت الأزمات المعيشية، وتدهورت الخدمات العامة، وازدادت معاناة الفئات الأكثر ضعفًا.

أثبتت العقوبات تاريخيًا محدودية قدرتها على تغيير سلوك النظام، لكنها أثبتت فعاليتها في إنهاك الشعب، ومع استمرار التضخم، وتراجع العملة، وتفشي البطالة، يدفع الإيرانيون كلفة مضاعفة لاقتصاد الحرب الذي بات يحكمه جهاز أمني لا يخضع للمساءلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية