"نيويورك تايمز": لاجئو التبت في الهند والشتات يصمدون بهوية تقاوم محو الدين والثقافة

"نيويورك تايمز": لاجئو التبت في الهند والشتات يصمدون بهوية تقاوم محو الدين والثقافة
لاجئو التبت في الهند والشتات

قاوم لاجئو التبت في الهند والشتات على مدى عقود محاولات الصين محو هويتهم الدينية والثقافية، من خلال بناء نظام ديمقراطي في المنفى يحفظ التقاليد، ويضمن استمرارية المجتمع، في انتظار مصير ما بعد الدالاي لاما.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الأحد، أنشأ الزعيم الروحي والسياسي للتبت، الدالاي لاما، حكومة في المنفى عقب فراره من الاضطهاد الصيني في خمسينيات القرن الماضي، ارتكز هذا الكيان إلى فكرة طالما سحرته تتمثل في الديمقراطية، كوسيلة لحماية التبتيين المنفيين من الانصهار والضياع.

استلهم الدالاي لاما النظام من زيارته للهند المجاورة التي فتنته بثقافة النقاش المفتوح في جمهوريتها الناشئة، ورأى أن تقليص سلطات الفرد الواحد، وإن كان قائدًا دينيًا، يمثل حماية للمجتمع.

لذلك، نقل سلطاته تدريجيًا إلى برلمان منتخب في المنفى، مقره جبال الهيمالايا، وتخلى عن أدواره السياسية تمامًا في عام 2011، بحسب كبار الرهبان والمسؤولين المقربين منه، آمن الدالاي لاما بأن بناء مؤسسة ديمقراطية قوية لا تعتمد على فرد واحد هو السبيل لصمود التبتيين في وجه سياسات بكين الساعية إلى سحق حركتهم من أجل الحرية.

صرّح الدالاي لاما في العام الذي تقاعد فيه: "إن حكم الملوك والشخصيات الدينية قد عفا عليه الزمن، علينا أن نتبع نهج العالم الحر، وهو نهج الديمقراطية".

خلاف محتمل على الخلافة

في الأسبوع الماضي، بدا أن الدالاي لاما تراجع عن بعض الأفكار التي طرحها سابقًا بشأن منع تدخل الصين في عملية تعيين خليفته، وأكّد التزامه بالممارسات التقليدية، مشددًا على أن مكتبه هو السلطة الوحيدة المخوّلة بذلك.

يقول محللون إن هذا الموقف يفتح الباب أمام خلاف حتمي: دالاي لاما يعينه التبتيون في المنفى، وآخر تفرضه بكين، وقد بُنيت مؤسسات الديمقراطية التبتية لتتحمل مثل هذه اللحظة الحرجة.

منذ عام 2011، ينتخب نحو 140 ألف لاجئ تبتي، نصفهم في الهند، رئيسًا للحكومة في المنفى في اقتراع مباشر داخل مستوطنات اللاجئين بالهند وشتاتهم حول العالم.

يتولى هذا الرئيس، المعروف باسم "سيكيونغ"، قيادة إدارة مقتصدة تُشرف على التعليم، والصحة، والرعاية الدينية، بل وتدير التعاونيات الزراعية ودور المسنين.

الديمقراطية التبتية تواجه التحدي

أوضح رئيس الحكومة التبتية في المنفى، بينبا تسيرينغ، الأسبوع الماضي أن النظام السياسي والنضالي الديمقراطي سيبقى قائمًا بعد وفاة الدالاي لاما، وسيواكب ظهور تناسخه وتدريبه على القيادة.

صمّم الدالاي لاما نظامًا مرنًا، لكن الصين تستخدم نفوذها على داعميه الرئيسيين، مثل الهند والولايات المتحدة، لتقويض دعمهما.

واجهت الحكومة التبتية في المنفى ضربة قاسية هذا العام بعد أن جمّدت إدارة ترامب مساعداتها كجزء من تخفيضات عامة، تمثل هذه المساعدات ربع ميزانية الحكومة السنوية البالغة 40 مليون دولار.

لاحقًا، نجح تسيرينغ في إقناع واشنطن برفع التجميد جزئيًا، لكنه أكد أن "ستة أشهر من الزخم فُقدت بالفعل".

الهند، التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين التبتيين، تسير بحذر لتجنّب استفزاز الصين، فرغم اعتراف نيودلهي رسميًا بالتبت كجزء من الأراضي الصينية، فإن بعض مسؤوليها أعربوا عن دعمهم لموقف الدالاي لاما من مسألة التناسخ، قبل أن يتراجعوا ويوضحوا أن ذلك كان بصفاتهم الشخصية لا الرسمية.

مرحلة ما بعد الدالاي لاما

أثناء زيارات لدارامسالا وبيلاكوبي، وهما من أكبر مستوطنات التبتيين في الهند، ظهر قلق كبير بشأن ما سيحدث بعد رحيل الدالاي لاما، دعا البرلماني التبتي تينزين جيغدال، في جلسة برلمانية سبتمبر الماضي، إلى تحليل نقاط الضعف واستعدادات المرحلة القادمة، قال: "إذا كنتم تدركون هذه الحتمية مُسبقًا، فأقل ما يمكنكم فعله هو الاستعداد مُسبقًا".

بدأ البرلمان التبتي أولى جلساته تحت شجرة بعد لجوء الدالاي لاما، واليوم يجتمع أعضاؤه الـ45 مرتين سنويًا، لإقرار الميزانية في الربيع، ومراجعة أداء الحكومة في الخريف.

ومع استثناء أعضاء اللجان الدائمة المقيمين في دارامسالا، فإن معظم النواب يعملون في وظائف أخرى، ويأتون من دول مثل أوروبا وأميركا الشمالية.

في إحدى جلسات الخريف، قدّم الرئيس تسيرينغ تقريرًا مفصلًا حول الأنشطة الدينية والثقافية، بينما تابع مئات اللاجئين المداولات من خيمة خارج القاعة، خلال المناقشة، حاولت نائبة من المعارضة توجيه انتقاد لزيارة الرئيس للدالاي لاما أثناء خضوعه لجراحة استبدال الركبة في نيويورك. لكن الحضور استهجنوا مداخلتها بشدة.

الثقافة أولًا

أوضح المسؤولون في الحكومة المنفية أن الحفاظ على الثقافة واللغة التبتية يظل الهدف الأساسي للإدارة، في مواجهة سياسات محو الهوية التي تنتهجها بكين.

قال وزير التعليم، جيغمي نامغيال، إن المجتمع التبتي في الهند كبير، ما يُسهّل الحفاظ على الهوية، أما في الشتات الغربي، حيث يتوزع التبتيون على نطاق واسع، فالمهمة أصعب، وأضاف: "نوفّر مدارس نهاية الأسبوع في المجتمعات التبتية بالغرب للحفاظ على اللغة والتقاليد".

في بيلاكوبي، إحدى كبرى المستوطنات في جنوب الهند، ظهر تحدي الهجرة بوضوح، يعيش فيها أكثر من 5000 نسمة، فضلًا عن آلاف الرهبان، تُشرف حكومة المنفى على الخدمات من خلال مسؤولَين كبيرين وطاقم من 200 موظف.

قال سونام يوجياي، مدير مستشفى يبلغ من العمر 55 عامًا: "معدل الوفيات لدينا أعلى من معدل المواليد، كما أن الناس يهاجرون من الهند، تذهب إلى المنزل، ولا تجد سوى كبار السن".

في مدرسة سامبوتا التبتية الابتدائية، كانت الفصول قليلة الحضور، يدرس فيها 49 طفلًا فقط من الصف الأول إلى الخامس، يتلقون تعليمًا يشمل اللغة التبتية، والإنجليزية، والعلوم، والرياضيات، والفنون.

قالت شيراب وانغمو، مديرة المدرسة البالغة من العمر 34 عامًا، إن المدرسة لا تكتفي بتعليم المواد، بل تُعرّف الأطفال بهويتهم من خلال مقاطع الفيديو والرقصات والأغاني، وأضافت: "نُعلمهم أن الأيام الجميلة ستأتي يومًا ما، وسنعود إلى وطننا".

ولدت وانغمو، مثل غالبية الشتات، خارج التبت، ولم تر وطنها قط، لكنها، كسائر اللاجئين، تحمل داخله حبًا وهوية تقاوم الذوبان، في مواجهة صراع طويل لم يُحسم بعد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية