اليوم الدولي لإحياء ذكرى إبادة سريبرينيتسا.. هل تصبح الذاكرة الجماعية أداة لردع الكراهية؟

يُحتفى به 11 يوليو من كل عام

اليوم الدولي لإحياء ذكرى إبادة سريبرينيتسا.. هل تصبح الذاكرة الجماعية أداة لردع الكراهية؟
امرأة بوسنية تصلي في مقبرة مركز بوتوتشاري التذكاري

في خطوة تاريخية تأتي قبيل الذكرى الثلاثين لأبشع جريمة شهدتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، خصصت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 11 يوليو يومًا دوليًا للتفكّر في الإبادة الجماعية التي وقعت في سريبرينيتسا عام 1995 وإحياء ذكراها، مستعيدةً آلام أكثر من 8 آلاف ضحية قضوا على أيدي قوات صرب البوسنة، تحت أعين المجتمع الدولي.

اعتمدت الأمم المتحدة القرار في 23 مايو 2024، بأغلبية 84 صوتًا، مقابل 19 صوتًا معارضًا وامتناع 68 دولة، بعد مساعٍ قادتها كل من ألمانيا ورواندا، داعيةً إلى الاعتراف بالإبادة كحقيقة تاريخية غير قابلة للإنكار، ورفضًا لأي محاولة لتحريف الوقائع أو تمجيد مجرمي الحرب.

تعود المأساة إلى يوليو 1995، حين اجتاحت قوات صرب البوسنة بقيادة راتكو ملاديتش مدينة سريبرينيتسا، التي كانت آنذاك "منطقة آمنة" تحت حماية الأمم المتحدة، وقامت خلال أيام بإعدام جماعي لأكثر من 8 آلاف رجل وصبي من مسلمي البوسنة، وتهجير عشرات الآلاف من النساء والأطفال وكبار السن.

وصفت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة ومحكمة العدل الدولية هذه المذبحة بأنها "إبادة جماعية"، لتصبح أول واقعة تُدان بهذا التوصيف في أوروبا بعد الهولوكوست.

ورغم مرور ثلاثة عقود، لا تزال المذبحة جرحًا مفتوحًا في ضمير البوسنيين، وعقبة أمام المصالحة العرقية في البلاد، في ظل استمرار إنكار الجريمة من بعض الجهات السياسية الصربية، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من محاولات التحريف وإلى التأكيد على دور التعليم والتوعية في منع تكرار مثل هذه الجرائم.

ذاكرة في مواجهة الإنكار

لا يكتفي القرار الأممي بمجرد الاعتراف الرمزي، بل يطالب الدول الأعضاء بالحفاظ على "الحقائق الثابتة"، واعتماد برامج تعليمية وتثقيفية تكشف تفاصيل الإبادة وتمنع طمسها، كما يدين بشكل صريح كل أشكال إنكار الجريمة أو تمجيد مرتكبيها، مؤكدًا أن الإفلات من المحاسبة الأخلاقية لا يقل خطورة عن غياب العدالة القضائية.

وفي هذا السياق، دُشّن في مقر الأمم المتحدة بنيويورك معرض توثيقي بعنوان "من الخطاب إلى العنف: يوميات خلف حقول الموت"، يستمر من 17 يونيو إلى 18 يوليو 2025، يقدّم عبر مقتنيات شخصية وشهادات واقعية صورة مؤلمة عن جرائم سريبرينيتسا، محذرًا من تبعات خطاب الكراهية وصمت المجتمع الدولي.

وفي التاسع من يوليو، جرت مراسم دفن جماعي لسبعة من الضحايا الذين تم التعرف على هوياتهم مؤخرًا، في مقبرة بوتوتشاري، حيث يرقد آلاف من ضحايا المجزرة، كما شارك آلاف الأشخاص في "مسيرة السلام" السنوية الممتدة من نيتشاري إلى بوتوتشاري، تخليدًا لمسار الهروب الذي سلكه الناجون من جحيم القتل الجماعي.

وفي 11 يوليو، تُقام مراسم دولية رفيعة المستوى في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، لإحياء ذكرى الضحايا، بتنظيم مشترك بين بعثة البوسنة والهرسك لدى الأمم المتحدة ومكتب المستشار الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية.

وفي بيان مشترك، أكدت ألمانيا ورواندا أن تخصيص هذا اليوم الدولي "فرصة حاسمة للتوحد من أجل تكريم الضحايا، وتجديد الالتزام العالمي بمنع الإبادة الجماعية مستقبلًا".

وفي المقابل، حذّر الاتحاد الأوروبي من أن "كل من ينكر الإبادة أو يمجد مرتكبيها ليس له مكان في أوروبا"، ردًا على تصريحات زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك، الذي وصف القرار بأنه "غير مقبول" وتعهد بعدم تطبيقه أو تدريسه.

المقاومة ليست إجراءً رمزياً

وإذ تتصاعد حملات التضليل التاريخي، تؤكد الأمم المتحدة أن مقاومة النسيان ليست مجرد إجراء رمزي، بل ضرورة أخلاقية وقانونية لضمان العدالة، ومنع ارتكاب الجرائم الجماعية تحت غطاء الإفلات من العقاب أو التوظيف السياسي للذاكرة.

يعد تأسيس هذا اليوم الدولي هو تذكير حاسم بأن الإبادة الجماعية لا تبدأ بارتكاب الجريمة، بل بخطاب الكراهية، وبنزع الإنسانية عن فئة من البشر، وبصمت العالم حين ينهار الضمير، ولأن سريبرينيتسا لم تكن نكسة محلية، بل جريمة عالمية، فإن تذكرها ليس شأنًا بوسنيًا فقط، بل مسؤولية أخلاقية عالمية، تستدعي حماية الحقيقة وصون الكرامة الإنسانية.

في عالم لا يزال يشهد جرائم ضد الإنسانية، يقف 11 يوليو كعلامة فارقة تقول: “لا مستقبل من دون ذاكرة.. ولا ذاكرة من دون عدالة".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية