وفاة تييري أرديسون أحد أعمدة الشاشة الفرنسية عن عمر ناهز الـ76 عاماً
وفاة تييري أرديسون أحد أعمدة الشاشة الفرنسية عن عمر ناهز الـ76 عاماً
غيّب الموت، اليوم الإثنين، أحد أبرز وجوه الإعلام الفرنسي: المقدم والمنتج تييري أرديسون، عن عمر ناهز 76 عاماً، بعد صراع مع مضاعفات سرطان الكبد، منهياً بذلك مسيرة امتدت لأكثر من أربعة عقود ظل فيها رمزاً للجرأة والابتكار على الشاشة الفرنسية.
وأعلنت أسرته نبأ وفاته في العاصمة الفرنسية باريس من خلال بيان نقلته (فرانس برس)، وجاء فيه على لسان زوجته الصحفية أودري كريسبو-مارا: "توفي تييري كما عاش، رجلاً شجاعاً وحراً. كنا متحدين حوله حتى آخر رمق"، في إشارة إلى حضوره العائلي المترابط حتى لحظاته الأخيرة.
بصمة إعلامية لا تُمحى
تميّز أرديسون بأسلوبه الخاص الذي شكّل علامة فارقة في البرامج الحوارية الليلية، وجعل منه أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في الإعلام الفرنسي منذ ثمانينات القرن الماضي.
وعُرف بظهوره الدائم مرتدياً الملابس السوداء وبطريقته المباشرة في محاورة ضيوفه، ما أكسبه شعبية واسعة وفتح له أبواب الجرأة التي لم يعتدها التلفزيون الفرنسي قبله.
ومن أشهر برامجه التي تركت بصمة قوية في المشهد السمعي البصري الفرنسي: "نظارات سوداء لليالٍ بيضاء" (Lunettes noires pour nuits blanches)، و"الضفة اليمنى / الضفة اليسرى" (Rive droite / Rive gauche)، "الجميع يتحدث عنه" (Tout le monde en parle)، "مرحبا بكم يا سكان الأرض" (Salut les Terriens)، وأخيراً "فوبور سانت أونوريه"، حيث استضاف شخصيات على مأدبة عشاء في منزله.
كما كانت له تجربة فريدة في برنامج "أوتيل دو تان" الذي أعاد فيه محاورة شخصيات راحلة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما أثار اهتماماً نقدياً وتقنياً كبيراً.
إرث تلفزيوني غني
بدأ أرديسون مسيرته في مجال الإعلان، وابتكر شعارات ما زالت حاضرة في الذاكرة التجارية الفرنسية، قبل أن يدخل عالم التلفزيون في مطلع الثمانينات حاملاً معه أسلوباً مغايراً لما كان سائداً، يتحدث بلا مواربة عن موضوعات مثل الجنس والكحول والمخدرات، وهو ما قسّم الرأي العام الفرنسي بين من يعتبره مجدداً جريئاً، وآخرين وصفوه بالمستفز بل و"المتعجرف".
ورغم انتقادات متكررة من شخصيات معروفة مثل الراحل برنار بيفو، الذي اتهمه بـ"جنون العظمة"، فإن أرديسون حافظ على حضوره ونفوذه، وأثرى المشهد السمعي البصري ببرامج مبتكرة، وكتب، وإنتاجات سينمائية وإذاعية متنوعة.
وقد حاز في عام 2020 تقديراً خاصاً من المعهد الوطني الفرنسي للسمعيات والبصريات (INA)، بإطلاق قناة "Arditube" الرقمية المخصصة لإرثه التلفزيوني، والتي تضم أكثر من 35 برنامجاً من توقيعه.
نهاية حافلة بالتحديات
في آخر ظهور تلفزيوني له في مايو الماضي، أثار أرديسون جدلاً واسعاً إثر تشبيهه الحرب في غزة بما حصل في معسكر "أوشفيتز"، وهو ما اضطره لاحقاً للاعتذار إلى "أصدقائه اليهود"، في ختام حياة إعلامية لم تفارقها الإثارة.
وفي مطلع عام 2024، كرّمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمنحه وسام جوقة الشرف، تقديراً لمسيرته الإعلامية الممتدة وتأثيره البارز على الثقافة الشعبية الفرنسية.
ولد تييري أرديسون في السادس من يناير عام 1949 في منطقة بورغانوف الريفية، وتزوج ثلاث مرات، وله ثلاثة أبناء، وكان يعيش في سنواته الأخيرة مع زوجته الصحفية "أودري كريسبو-مارا" التي تزوجها عام 2014.
شخصية "غير قابلة للاستنساخ"
برحيل أرديسون، تخسر فرنسا وجهاً إعلامياً مثيراً للجدل لكنه لا يُنسى، صانع أسلوب ومُبتكر لغة حوارية اخترقت التقاليد التلفزيونية المغلقة، وأسّست لمرحلة جديدة من الانفتاح والتعبير، حتى وإن صاحبها كثير من النقد واللغط.
ويبقى اسمه محفوراً كأحد "نجوم الليل الفرنسي" الذين استطاعوا كسر الحواجز، وتركوا إرثاً متداخلاً بين الإعلام والثقافة والشخصية الاستعراضية.