الطائفية.. حين تتحول الهوية إلى أداة تمزيق الوطن
الطائفية.. حين تتحول الهوية إلى أداة تمزيق الوطن
الطائفية ليست قدراً، ولا هي من مكوّنات الشخصية العربية كما يحاول البعض أن يروّج، إنها ببساطة أداة… لكنها أخطر أداة للتفكيك عرفتها منطقتنا منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم، أداة يتم استخدامها "بطريقة ممنهجة"، ويتم إخراجها من الأدراج، وتلميعها بخطاب "حقوق الأقليات"، ثم تُستخدم كقنبلة موقوتة تدمر المجتمعات من الداخل، بينما يصفق أصحاب الأجندات في الخارج.
ما جرى ويجري في السويداء جنوب سوريا خلال الأيام الأخيرة مؤسف جداً ومشهد القتلى الذين سقطوا في الطرقات وفي المستشفيات محزن جداً، وهو نموذج مكرر، لكن بصيغة جديدة، فالمحافظة التي بقيت لسنوات في هامش الحرب السورية ومجموعة لها تاريخ وطني مشرف، تستغل من بعض الأطراف لتحقيق أهداف معينة، وتُستخدم –من قِبَل إسرائيل تحديداً– كورقة ضغط جديدة على النظام في دمشق، ففجأة يصبح "الحرص على الدروز" عنوانًا إنسانيًا نبيلاً لدى إسرائيل، وبدون مقدمات تعتقد الحكومة الإسرائيلية أن العالم نسي ما ارتكبته من فظائع في غزة وأن العالم سيتفق معها في ما تدعيه من دعم ومساندة للدروز! فيما جوهر هذا التحرك هو محاولة واضحة لشقّ الصف السوري، واستثمار معاناة الناس لتسجيل نقاط سياسية.
الحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها اللعب بورقة الطائفية في سوريا، إيران سبقت إسرائيل في ذلك، عندما رفعت شعار "حماية الطائفة العلوية"، وتسلّلت إلى سوريا بحجة الدفاع عن الأقليات، بينما الحقيقة كانت أبعد ما تكون عن الحماية، الحقيقة أن الطائفية كانت ولا تزال الغطاء الأنسب للتدخل، ولتفتيت المجتمعات، وتحويل الثورات الشعبية إلى حروب أهلية دامية.
نتائج اللعبة معروفة: مئات الآلاف من الضحايا، ملايين المهجّرين، وطن بلا ملامح، وهوية وطنية تُستبدل بهويات طائفية لا تلتقي إلا على الحقد والخوف من الآخر.
وإذا عدنا إلى القانون الدولي، فالمسألة لا لبس فيها.. المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تضمن حرية المعتقد والدين، والمادة 27 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تحمي الأقليات من التمييز. لكن ماذا تفيد هذه النصوص حين تصبح الأقليات وقودًا لحروب الآخرين؟
الحقيقة الأخرى والمؤسفة حقاً أن الطائفية لا تُصنع فقط في طهران أو تل أبيب أو العواصم الغربية، بل تبدأ من الداخل، من خطاب ديني متعصّب، من إعلام تحريضي، من مناهج تعليمية تُكرّس "الاختلاف" على حساب "الانتماء"، ومن نخب سياسية لا تجد في الطائفية حرجًا طالما أنها تضمن لها البقاء والحضور.
ولأن المجتمعات العربية لم تُحصّن، تحوّل المواطن العربي البسيط إلى هدف سهل لكل خطاب يضع طائفته أولًا، ووطنه أخيرًا، وهنا تكمن الكارثة.
الحل لا يكون بإدانة الخارج فقط، بل بترميم الداخل: نشر ثقافة المواطنة المتساوية، تجريم التحريض، إصلاح التعليم، وخلق إعلام مسؤول… فالطائفية، حين تتحول إلى سلاح، لا تقتل الطوائف، بل تقتل الوطن.