"الأمم المتحدة 80".. الجمعية العامة تتبنى مبادرة لإصلاح منظمة تبحث عن روح جديدة

"الأمم المتحدة 80".. الجمعية العامة تتبنى مبادرة لإصلاح منظمة تبحث عن روح جديدة
الجمعية العامة للأمم المتحدة

بإجماع غير معتاد، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة، قرارًا جديدًا يؤيد مبادرة الأمين العام المعروفة باسم "الأمم المتحدة 80"، التي تهدف إلى تعزيز وتبسيط عمل المنظمة الدولية. القرار الذي قُدم من روسيا واعتمد دون تصويت جاء يؤكد دعم الدول الأعضاء جهود إصلاح بنية الأمم المتحدة، حتى تكون أكثر قدرة على مواكبة التحديات العالمية المتسارعة.

يشيد القرار علنًا بمساعي الأمين العام لجعل الأمم المتحدة أكثر كفاءة، ويدعو كياناتها ووكالاتها المختلفة لتنسيق جهودها حسب الاقتضاء, لكنه في الوقت نفسه يُقر بالدور المركزي للدول الأعضاء في هذه العملية، ويشدد على ضرورة أن تكون عملية الإصلاح شاملة وشفافة، مبنية على أهداف محددة ونهج يستند إلى الأدلة بحسب ما أورده موقع أخبار الأمم المتحدة.

كفاءة ومرونة وتغيير هيكلي

أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مبادرة الأمم المتحدة 80 في مارس الماضي، وتتمحور حول ثلاث أولويات كبرى هي: تعزيز الكفاءة التشغيلية من خلال معالجة ازدواجية الجهود والبيروقراطية، وتقييم تنفيذ الولايات من خلال دراسة علمية لكيفية أداء المنظمة مهامها المفوضة، إضافة إلى استكشاف إصلاحات هيكلية عبر تغييرات محتملة في بنية المنظمة لتواكب التحديات.

تهدف هذه المحاور إلى إعادة تمكين الأمم المتحدة لتكون أسرع استجابةً، وأكثر مرونةً وفاعلية في مواجهة قضايا عالمية ملحّة كالنزاعات الإقليمية، والتغير المناخي، والأوبئة.

ورغم تبنّي القرار بالإجماع، أبدت بعض الوفود قلقها من أن العملية جاءت متسرعة، حيث وصفت ممثلة الاتحاد الأوروبي، الدنمارك، التحرك بأنه سابق لأوانه ومتسرع بلا داعٍ، مشيرة إلى أن فترة المشاورات القصيرة لم تسمح بنقاش معمّق.

من جهتها، حذرت أستراليا نيابةً عن مجموعة كانز (كندا، أستراليا، نيوزيلندا) من أن التسرع يخاطر بالحد من طموح ونطاق الإصلاحات المستقبلية، كذلك شددت سويسرا، ممثلةً دولاً أوروبية شمالية، على أن يكون الإصلاح طموحًا واستراتيجيًا، مستفيدًا من الأصول القائمة مع ضمان الكفاءة على المدى الطويل.

أما اليابان، فتبنت موقفًا داعمًا، معتبرةً أن المبادرة تأتي استجابةً للحاجة الملحة لتنشيط المنظمة، وأكدت أن نجاحها يعتمد على «مسؤوليات مشتركة ومتوازنة» بين الأمانة العامة والدول الأعضاء.

من يقود الإصلاح؟

جوهر الجدل لم يقتصر على التوقيت فقط، بل مسّ أيضًا السؤال الأهم: من يجب أن يقود عملية الإصلاح؟

روسيا التي طرحت مشروع القرار شددت على أن الدول الأعضاء يجب أن تكون القوة الدافعة للإصلاح، فيما يظل الأمين العام مسؤولًا إداريًا يسهّل العملية ولا ينفرد بقيادتها.

المندوب الروسي قال بوضوح: "نسعى لتكييف الأمم المتحدة مع تحديات العصر، لكننا نؤمن بأن الدول الأعضاء يجب أن تحتفظ بالدور القيادي." وهذا يعكس فلسفة ترى أن المنظمة الدولية ليست كيانًا مستقلًا، بل ثمرة إرادة الدول الأعضاء التي أنشأتها.

ووراء النقاش الفني، تكمن أسئلة إنسانية أكبر.. هل يمكن إصلاح الأمم المتحدة لتستعيد ثقة الشعوب، لا ثقة الحكومات فقط؟ وهل المبادرة ستكون خطوة لتقليل البيروقراطية حقًا، أم مجرد وثيقة جديدة تضاف إلى أرشيف المنظمة؟

خبراء ومراقبون يرون أن الإصلاح يحتاج أكثر من نص قرار، يحتاج التزامًا سياسيًا حقيقيًا من الدول الأعضاء، ورؤية جريئة تعترف بأن الأزمات العالمية لم تعد تُحل بالأدوات القديمة.

مبادرات سابقة

لم تكن مبادرة "الأمم المتحدة 80" هي المحاولة الأولى لإصلاح المؤسسة الأممية، بل تأتي امتدادًا لسلسلة طويلة من المبادرات منذ تسعينات القرن الماضي، بعد انتهاء الحرب الباردة، طُرحت أجندة للسلام للأمين العام بطرس غالي لتعزيز الوقاية من النزاعات، ثم جاء تقرير "براهمي" عام 2000 لتقييم إخفاقات بعثات حفظ السلام.

ولاحقًا، شهدت قمة الألفية اعتماد أهداف التنمية للألفية لتقوية دور المنظمة في التنمية المستدامة، تلتها توصيات لجنة "عالم أكثر أمانًا" (2004) التي دعت لإصلاح مجلس الأمن وتعزيز فعالية الأمم المتحدة.

وأسفرت قمة 2005 عن خطوات ملموسة كإنشاء مجلس حقوق الإنسان ولجنة بناء السلام،

واصل الأمناء العامون جهودهم، فطرح بان كي مون إصلاحات إدارية ومبادرات للتنسيق بين وكالات المنظمة، بينما ركّز أنطونيو غوتيريش منذ 2017 على إصلاح منظومة التنمية والحوكمة الداخلية وركيزة السلام والأمن. 

ورغم تنوع هذه الجهود، ظل التحدي الأكبر في قدرة 193 دولة عضوًا على تجاوز المصالح الوطنية الضيقة لتحقيق إصلاح شامل، خصوصًا في هيكل مجلس الأمن، ليبقى السؤال حاضرًا حتى اليوم: هل ستنجح الأمم المتحدة 80 في أن تكون أكثر من مجرد مبادرة جديدة تضاف إلى أرشيف المحاولات السابقة؟

تأسست الأمم المتحدة عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية لمنع النزاعات وحماية حقوق الإنسان، توسعت مهامها لتشمل التنمية، المناخ، الأوبئة، ونزع السلاح.

في عام 2025، تحتفل المنظمة بمرور 80 عامًا على تأسيسها، لتطرح مبادرة الأمم المتحدة 80 كسعي جماعي لإصلاح المؤسسة، في عالم تتسارع فيه الأزمات ويُنتَقد فيه بطء عمل المنظمات الدولية وعدم مرونتها.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية