اللاجئون على حافة الهاوية.. كيف يهدد نقص التمويل حياة ملايين البشر؟

اللاجئون على حافة الهاوية.. كيف يهدد نقص التمويل حياة ملايين البشر؟
نازحون سودانيون- أرشيف

في أروقة الأزمات الممتدة من مخيمات الروهينغا في بنغلاديش، مرورًا بسهول جنوب السودان وحتى الأحياء المهمشة في لبنان، تتلاشى تدريجيًا شبكة الأمان الإنسانية التي يعتمد عليها أكثر من 11.6 مليون لاجئ ونازح حول العالم.

بحسب تقرير جديد أصدرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الجمعة، تواجه هذه الفئات الهشة خطرًا غير مسبوق بفقدان المساعدات المنقذة للحياة هذا العام، نتيجة فجوة تمويلية حادة، حتى الآن، لم تحصل المفوضية سوى على 23% فقط من احتياجاتها المالية المقدّرة بـ10.6 مليار دولار لعام 2025، ما يضع حياة الملايين في مهب الريح.

ووصفت دومينيك هايد، مديرة العلاقات الخارجية في المفوضية، في مؤتمر صحفي بجنيف، المشهد بأنه تضافر لعوامل مدمّرة: تزايد النزوح، تراجع التمويل، واللامبالاة السياسية. وراء هذه الأرقام، تقول هايد، قصص لعائلات مجبرة على خيارات مستحيلة إما إطعام أطفالها، أو شراء الأدوية، أو دفع الإيجار في مخيمات تفتقر أصلاً لأساسات الحياة.

وتضيف: لقد تضررت كل القطاعات تقريبًا؛ من التعليم والرعاية الصحية، إلى برامج حماية النساء والأطفال، يتم الآن تعليق الدعم الأساسي اللازم لبقاء هؤلاء الناس على قيد الحياة.

نساء وأطفال يدفعون الثمن

تكشف البيانات الأممية أن تخفيض التمويل أدى إلى إغلاق أو تعليق برامج أساسية بقيمة 1.4 مليار دولار، في جنوب السودان، أغلقت 75% من الأماكن الآمنة التي كانت تقدم خدمات الحماية والدعم النفسي والقانوني لضحايا العنف الجنسي، ما ترك نحو 80 ألف امرأة وفتاة في مواجهة الخطر وحدهن.

أما في مخيمات الروهينغا في بنغلاديش، يهدد نقص التمويل بإيقاف تعليم 230 ألف طفل. وفي لبنان، قد ينهار بالكامل البرنامج الصحي الذي تديره المفوضية بحلول نهاية العام، ما يعني حرمان آلاف اللاجئين من الرعاية الطبية الأساسية.

وفي سياق متصل، حذرت المفوضية من انخفاض بنسبة 60% في المساعدات النقدية الطارئة وتوزيع مواد الإغاثة، كما تراجعت برامج الإيواء، والتسجيل، وحماية الأطفال، في حين تقلصت بشدة قدرات التدخل في حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي.

دوائر نزوح جديدة

التداعيات لا تتوقف عند حدود المخيمات، نقص التمويل أجبر المفوضية على إيقاف حركة نقل الوافدين الجدد من المناطق الحدودية الخطِرة إلى مراكز أكثر أمانًا في دول مثل تشاد وجنوب السودان، ما ترك الآلاف عالقين في مناطق معزولة بلا حماية.

وفي أفغانستان، عاد منذ بداية العام نحو 1.9 مليون شخص إلى ديارهم أو أُجبروا على العودة، لكن التمويل المحدود بالكاد يغطي احتياجاتهم من الغذاء، ما يقوّض جهود إعادة الإدماج، ويهدد باندلاع موجات نزوح جديدة.

الحاجة لاستيقاظ الضمير العالمي

في بيان مشترك، طالبت منظمات حقوقية عدة، بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، الدول المانحة بتحمل مسؤولياتها الإنسانية بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة، جاء في البيان: "هؤلاء اللاجئون والنازحون لم يختاروا النزوح، تركهم دون دعم هو وصمة عار على الضمير الإنساني".

من جهتها، دعت المفوضية الحكومات والمجتمع الدولي إلى الإسراع في توفير تمويل إضافي عاجل، وقالت هايد: "لدينا الخبرات والأنظمة والشراكات لإعادة تشغيل البرامج بسرعة، لكن من دون تمويل، لا يمكننا إيقاف النزيف ولا إنقاذ الأرواح".

نداء أخير.. قبل أن يفوت الأوان

ورغم الصورة القاتمة لتداعيات نقص التمويل، لا يزال هناك هامش من الأمل، إذا ما تحركت الدول المانحة وأصحاب القرار، فالإنسانية، كما تقول المفوضية، لا يمكن أن تُدار كميزانية فقط؛ إنها التزام أخلاقي بإنقاذ الأرواح الأكثر هشاشة في هذا العالم.

يعيش أكثر من 114 مليون شخص حول العالم لاجئين ونازحين قسرًا، نصفهم تقريبًا من النساء والأطفال، وقد تصاعدت الاحتياجات الإنسانية بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، نتيجة النزاعات المزمنة والكوارث المناخية والأزمات الاقتصادية، في وقت يشهد التمويل الإنساني تراجعًا مستمرًا، لتتسع الفجوة بين الاحتياجات والموارد المتاحة عامًا بعد عام.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية