معركة مع الطاقة.. اليابان تستعين بألواح "البيروفسكايت" لمواجهة التغير المناخي
معركة مع الطاقة.. اليابان تستعين بألواح "البيروفسكايت" لمواجهة التغير المناخي
في مواجهة تحديات أمن الطاقة والضغوط البيئية المتزايدة، تسعى اليابان لتغيير قواعد اللعبة عبر اعتماد تقنية جديدة: الألواح الشمسية المرنة وفائقة الرقة المصنوعة من مادة البيروفسكايت.
وفي قلب هذا التحول، تبرز محاولة جادة لاستعادة المكانة المفقودة في سوق الطاقة المتجددة، وسط سباق عالمي تقوده الصين بلا منازع، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم السبت.
لا تمثل ألواح البيروفسكايت مجرد بديل تقني عن الخلايا الشمسية التقليدية المصنوعة من السيليكون، بل ترمز لتحول أعمق في رؤية اليابان لمستقبلها الطاقي، فاليابان، التي عانت من صدمة الطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما عام 2011، باتت مدفوعة اليوم برغبة مضاعفة للتحوّل إلى الحياد الكربوني بحلول 2050، وضمان استقلالية استراتيجية في سوق الطاقة، وسط عالم يعاد تشكيله من جديد بفعل التغير المناخي والضغوط الجيوسياسية.
العودة من الهامش
في العقد الأول من الألفية، كانت اليابان من بين رواد تصنيع الخلايا الشمسية، لكن صعود الصين، بسياسات صناعية ضخمة وسلاسل توريد محكمة، دفع بالمصنّعين اليابانيين إلى الهامش، واليوم، تعود طوكيو بأمل جديد: البيروفسكايت، المعدن الخفيف والمطبوع، القادر على إنتاج الطاقة فوق نوافذ ناطحات السحاب أو أسطح الأبنية المنحنية.
وفي هذا السياق، صرح وزير الصناعة الياباني يوجي موتو أن هذه التقنية تمثل "أفضل ما لدينا لتحقيق هدفين: إزالة الكربون وتعزيز التنافسية الصناعية"، وهو تصريح لا يعبّر عن طموح تقني فقط، بل عن تصميم واضح على إحياء الصناعات الوطنية الطاقية.
وبنيت اليابان على تضاريس جبلية تغطي نحو 70% من مساحتها، ما يصعب إقامة محطات طاقة شمسية تقليدية. هنا، تصبح الألواح الخفيفة، القابلة للتركيب على أي سطح -من واجهات المباني إلى قبب الملاعب- حلاً عمليًا وفوريًا.
وتشير التقارير إلى خطط لتغطية ناطحة سحاب من 46 طابقًا بهذه الألواح، في حين تعتزم مدينة فوكوكا استخدامها على سطح ملعب بيسبول.
وتقول يوكيهيرو كانيكو من شركة باناسونيك: "نتخيل مستقبلًا تكون فيه كل نوافذ طوكيو منتجة للكهرباء".
تحديات تقنية وبيئية
رغم تفاؤل المؤسسات، يواجه المشروع تحديات تقنية وبيئية، أبرزها أن عمر ألواح البيروفسكايت لا يتجاوز عشر سنوات حاليًا، مقارنة بـ30 عامًا في ألواح السيليكون. كما أن احتواءها على الرصاص السام يثير تساؤلات حول سلامتها على المدى البعيد، خصوصًا في حال تعرضها للتلف أو الكسر.
لكن الباحث هيروشي سيغاوا من جامعة طوكيو يرى في ذلك مرحلة انتقالية قابلة للتجاوز: "النماذج الجديدة بدأت تضاهي السيليكون في الكفاءة، ونطمح لبلوغ 20 عامًا كعمر افتراضي في غضون سنوات قليلة".
وفي سياق تشجيع التصنيع المحلي، قدمت الحكومة منحة بـ157 مليار ين (1.05 مليار دولار) لشركة سيكيسوي كيميكال لبناء أول مصنع وطني لإنتاج الألواح الجديدة بطاقة إنتاجية مئة ميغاواط بحلول 2027، ما يكفي لتزويد 30 ألف منزل.
وتشير التقديرات إلى أن اليابان قد تحقق قدرة إنتاج تصل إلى 40 غيغاواط من البيروفسكايت وحدها بحلول 2040، أي ما يعادل 40 مفاعلًا نوويًا تقليديًا.
نموذج قابل للتصدير؟
في ظل السباق العالمي، تأمل طوكيو ألّا يقتصر الإنجاز على الداخل فقط. فالتقنيات التي تطوّرها اليابان حاليًا قابلة للتطبيق في دول ذات كثافة عمرانية عالية أو تضاريس صعبة. ويقول سيغاوا: "إذا نجحنا في صياغة نموذج محلي فعّال، يمكننا تصديره إلى آسيا وأوروبا".
التحول الياباني نحو البيروفسكايت لا يخلو من المجازفة، لكنه يأتي في وقت لم تعد فيه الرهانات التقليدية مجدية؛ فالعالم يواجه شتاءً مناخيًا وشيكًا، و"نموذج الطاقة" لم يعد مجرد مسألة اقتصادية، بل خيار وجودي.