"عيون لا تعرف البراءة".. أطفال السويداء في مرمى نيران التوتر الطائفي
"عيون لا تعرف البراءة".. أطفال السويداء في مرمى نيران التوتر الطائفي
في أحد أحياء مدينة السويداء القديمة، تنظر الطفلة مايا (8 أعوام) من خلف نافذتها الحديدية إلى الشارع المقفر، تتساقط الدموع بصمت على خدّيها وهي تراقب المكان الذي كان حتى وقت قريب ملعبًا لأحلامها الصغيرة، لكنه اليوم غدا مسرحًا لرصاص طائش ودخان خانق ورجال يصرخون دون توقف.
"أريد فقط أن أعود إلى مدرستي"، تقول مايا بصوتٍ متهدّج، وهي تلتصق بوالدتها التي فقدت القدرة على طمأنتها، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الخميس.
كلماتها البسيطة تختصر واقعاً مريراً يعيشه مئات الأطفال في محافظة السويداء السورية، التي اجتاحتها مؤخرًا موجة من العنف الطائفي بين أبناء الطائفة الدرزية وعشائر بدوية، حصدت أرواح عشرات المدنيين، من بينهم أطفال كانوا يلعبون أو ينامون حين سقطت القذائف على منازلهم.
الخوف يسكن الأرواح الصغيرة
منذ أيام، تحولت أزقة المدينة إلى ممرات مرعبة تصفر فيها الرصاصات، وتغلق فيها أبواب البيوت على الخوف، لم يعد الأطفال يذهبون إلى مدارسهم، ولم تعد أصوات الضحك تعلو في الساحات.
تقول سناء أبو حمدان، وهي ممرضة متطوعة في أحد المراكز الطبية: "في أقل من 72 ساعة، استقبلنا أربعة أطفال مصابين بشظايا وأعيرة نارية، بعضهم فقد أحد أطرافه، وآخرون فقدوا ذويهم. لا توجد كلمات يمكن أن تشرح نظراتهم الفارغة".
وأعربت اليونيسف، وفي بيانها الصادر الأربعاء، عن قلقها الشديد من الوضع، مؤكدة أن الأطفال يدفعون الثمن الأكبر لهذا العنف، ليس فقط بأجسادهم بل بأرواحهم وطفولتهم وماضيهم ومستقبلهم.
عتمة لا تُضيؤها الشموع
لم يقتصر الخطر على الرصاص وحده، بل امتد إلى المياه والكهرباء والاتصالات، فالعديد من الأحياء انقطعت عنها الخدمات الحيوية، ما فاقم معاناة العائلات، لاسيما تلك التي تعتمد على دعم دائم لأطفالها المرضى أو من ذوي الاحتياجات الخاصة.
أبو كرم، أب لأربعة أطفال، قال: "لم نعد نعرف كيف نحميهم، لا كهرباء، لا دواء، لا نوم في الليل. أصوات الاشتباكات لا تتوقف، وكأننا نعيش على حافة الجحيم".
وأكدت اليونيسف أن الأطفال الأكثر ضعفًا في سوريا، وهم الذين عانوا لأكثر من عقد من الحرب والنزوح، لا يحتملون مزيدًا من العنف أو التهجير، مشددة على ضرورة احترام القانون الإنساني الدولي وحماية الأطفال من جميع أطراف النزاع.
نشأة في ظل الخوف والحرمان
تثير هذه التطورات المخاوف من أن يغدو جيل كامل في السويداء بلا تعليم، بلا دعم نفسي، وبلا أفق واضح، فالأطفال الذين نشؤوا بين الخوف والحرمان هم أنفسهم من سيتحمّلون مسؤولية الغد، وسط بنى تحتية متهاوية ومجتمع منهك.
الناشطة رُبى الشوفي، من إحدى منظمات الدعم النفسي، قالت: "ما نخشاه اليوم هو ما سيتحول إلى كارثة غدًا، فالطفل الذي يشهد القتل ويُحرم من حق اللعب والتعليم، هو مشروع هشّ قد ينكسر في أية لحظة. هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى أمان ودعم لا إلى أصوات البنادق".
وسط هذه المعاناة، لا تزال المنظمات الإنسانية تسعى لتوفير ممرات آمنة، وتطالب بالسماح بإيصال المساعدات الطبية والغذائية دون عوائق، لكن الواقع يزداد تعقيدًا في ظل غياب حلول سياسية جذرية.
وختمت اليونيسف بيانها بالتأكيد على أن الأطفال في سوريا "يستحقون أن يعيشوا بكرامة وأمان، لا في ظلال الرعب والرعب المسلح"، داعية المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته والضغط من أجل وقف العنف بشكل فوري.
قلوب تنتظر السلام
بين الركام والدموع، لا تزال مايا تحلم بأن تعود إلى صفّها، بأن ترسم علم سوريا لا بلون الدم بل بلون الشمس، وبأن تسمع حكايات الجدة لا هدير الرصاص.
لكن في السويداء، كما في مدن سورية كثيرة، يبدو أن الطفولة أصبحت حلمًا بعيدًا في ظل توترات فئوية وأوضاع سياسية غير مستقرة.