نساء العرب.. آمنة نصير صوت التجديد الديني في مصر والعالم الإسلامي (حوار)

نساء العرب.. آمنة نصير صوت التجديد الديني في مصر والعالم الإسلامي (حوار)
الدكتورة آمنة نصير

متى أتيح للمرأة أن تتساوى مع الرجل أصبحت منافسته، هذا ما أثبتته الدكتورة آمنة نصير إحدى سيدات سلسلة "نساء العرب"، التي أسست لثورة فكرية تضع حدًا لجميع الظروف المادية “بفعل فاعل” المعيقة للمرأة من أداء دورها الطبيعي لها في الحياة، رغم أنف شيوخ التشدد الذين استخدموا النص لخدمة أهوائهم فخلطوه بالتقاليد والعادات دون اعتبار للشرع وروح الدين.

لهذا ولغيره، تُعد الدكتورة آمنة نصير صوت التجديد الديني وناصرة المرأة، وهي أستاذة جامعية وعميد، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية والمجلس الأعلى للثقافة ومجلس النواب السابق أهم مصدر تشريعي في مصر.

تم اختيارها من قِبل المفوضية الأوروبية ضمن 10 شخصيات ساهمت في إعلاء شأن الدراسات الإنسانية على مستوى العالم، أثرت المكتبة العربية بما يزيد على 55 مؤلفًا في الفلسفة وقضايا المرأة والطفل والسياسة والثقافة، كما كان لها دور تنويري من خلال قلمها في الصحف المختلفة والأبحاث وظهورها في الميديا تناقش وتصارع بلا ضجر كل ما يتعلق بالمرأة والدين.

انخرطت في العمل البرلماني منذ عام 2015، كنائبة منتخبة ضمن قائمة "دعم مصر" عن الصعيد، وكان لها في البرلمان صولات وجولات ومناقشات جادة في قضايا مهمة كختان الإناث، وازدراء الأديان، وحقوق المرأة المطلقة، كما ساهمت في سن القوانين التي تساعد على استقرار الأسرة.

واجهت الكثير من الصعوبات والتقاليد والثقافة الصعيدية، من عدم تقبل خروج البنت للتعليم، فصمدت أمام جبروت العادات والتقاليد وأصبحت رمزًا وقدوة لبنات قريتها وجيلها ومن ثم العرب.

«جسور بوست»، حاورت العلامة آمنة نصير وسبحت معها في رحلة عطاء إنسانية وثقافية وعلمية، جاهدت خلالها بضمير محارب في ساحات العلم محاربة كل فكر متطرف وشاذ، لنصرة المرأة وإظهار صورة الإسلام الحقيقية.

من هي آمنة نصير، وما العوامل التي شكَّلت شخصيتك؟

آمنة بنت الحاج محمد نصير، من أسرة كبيرة الشأن ثرية المال، عظيمة الوجاهة في بلدها، ورثت منهم الاعتداد بالنفس، كان والدي كبير عائلة "آل نصير"، ونشأت بشعور العزة والانتماء لصعيد مصر، أعتز بعائلتي كما أعتز بعلمي ودوري في الحياة، والذي منه تحفيز نساء الصعيد على العلم والتعلم، فليس ضد التقاليد الصعيدية طالما حرصنا على قيمنا ومظهرنا أثناء ذلك، فلا مانع من أن نخوض العلم في جميع مراحلة سواء داخل مصر أو خارجها، وأذكر كلمة لوالدي رحمه الله: "أوعي تنسي يا آمنة إنك صعيدية وإنك من بيت نصير وتقلدي أي حد مش شبهنا"، هذه جزئية مهمة في تشكيلي وتكويني، جعلني أستهدف أن أكون مصدر فخر وعزة لا مصدر خجل يتوارون منه.

ماذا عن مسيرتك العلمية ومعاركك من أجل استكمال تعليمك وأنت الفتاة الصعيدية التي يعاب عليها فعل ذلك؟

أنهيت التعليم الإلزامي بقرية "موشا" بمحافظة أسيوط، وكنت متفوقة على أقراني لدرجة أن مدير مدرستي الأستاذ أحمد عبدالرحمن اجتهد في إقناع والدي بضرورة استكمال تعليمي، بعد أن رفض رفضا قاطعاً لكنني صابرت وتوسلت إلى أبي، أخذنا في هذا الحوار أكثر من شهر، يرفض بحنية ويشفق على تشبثي، وكانت نجدتي ناظر المدرسة وبفضله انتصرت في معركتي الأولى، وكان لتفوقي يجعلني أقرأ لطلاب الصف الرابع الابتدائي وأنا ما زلت في الصف الثاني، ووافق أبي شريطة أن ألتحق بقسم داخلي للفتيات، والتحقت بمدرسة" أمريكان كولدج"، وبالفعل كانت تراعي تقاليد الصعايدة بل كانت أشد في تنفيذها.

 وكانت عالية التكلفة كان الناس يرددون:" الحاج محمد نصير مدخل بنته مدرسة بيدفع لها كل سنة تمن فدان طين، ودي بنت مش ولد"، وظللت هناك عشر سنوات وأثبت فيها تفوقًا، وحين أردت استكمال الجامعة، خضت معركة شرسة مع والدي للمرة الثانية، وتدخل أحد الأقارب المثقفين، وانتصرت شريطة أن ألتحق بكلية كلها فتيات، فالتحقت بكلية البنات جامعة عين شمس بقسم الفلسفة والاجتماع وعلم النفس وطيلة أربع سنوات ترتيبي الأول على القسم، وخضت صراعًا ثالثًا للالتحاق بالدراسات العليا، واخترت الفلسفة، وكان أساتذتي فلاسفة عصرهم.

رغم أنك تميلين إلى التجديد ومن أنصاره، إلا أن رسالتك للدكتوراه وما تلاها من اختيارات كنت تبحرين مع مشايخ السلفية، كيف ذلك؟

نعم، كنت في منطقة الشرق الأوسط من جمعت الخط السلفي كله، اختياراتي كانت عجيبة، موضوع الدكتوراه كان عن محمد بن عبدالوهاب شيخ الجزيرة العربية، وكان لاستكمال ما درسته في رسالة الماجستير التي بدورها كانت في الفقيه العراقي "أبي الفرج بن الجوزي"، نجم العراق في القرن السادس الهجري، وناقشني الدكتور بيصار شيخ الأزهر حينها، وكان يشفق عليَّ من شدة ابن الجوزي، ولذلك ساهم الأخير في تكوني إسهامًا كبيرًا، وبذلك أخذت مدرسة السلف من مدرسة الحنابلة.

وماذا عن وجودك في جامعة الأزهر؟

كان هذا نوع من المواءمة والمصالحة مع أبي كي يوافق على عملي حيث يحظى الأزهر الشريف في الصعيد بسمعة طيبة، وساعدني الشيخ الباقوري وكان من قرية بجوار قريتنا، واستلمت عملي كمدرس مساعد، وتدرجت في مراحل تعليمي بجدارة حتى الأستاذية. 

ما هدفك المعرفي الذي تطمحين إليه؟

أن أجد الإسلام في كل يوم يُقدم لابن العصر، لأن هذا الدين الذي سيبقى ليوم القيامة يجب أن نقدمه لكل عصر لصلاحيته لكل زمان ومكان وثقافة، لذلك يجب على أهل الفكر والعلم من المسلمين مواكبة المستجدات حتى لا يجد إنسان العصر صعوبة في فهم بعض القضايا الإسلامية.

قلتِ إن الدين الإسلامي صالح لكل مكان وزمان، موضحة أنه لا مانع من التطوير على ضوء مستجدات العصر الجديد لما فُهِم من علماء الدين السابقين.. ما ضوابط ذلك ومن يصلح لهذه المهمة الثقيلة؟

أُرجح وأنادي بتفسير القرآن الكريم بلغة العصر، فلا نبقى عالة على العلماء القدامى، نستفيد منهم ولكن لا بد أن يكون لنا عقل يقرأ قضايا العصر ثم يقدم هذه الشروح التي ينتفع بها ابن العصر، لصلاحية الإسلام لكل الأزمنة والأمكنة فلماذا لا نواكب هذه الحقيقة للإسلام بما لدينا من نصوص عظيمة للقرآن، ولكن بشرط عندما يوجد من العلماء من يتفهم تلك الحقيقة.

والمنوط بهم ومن يصلحون لفعل ذلك موجودون، ولكن ربما لحرصهم على النصوص تكون لديهم هيبة من الاقتراب، ولكن مقتضيات العصر ومستجداته تقتضي ذلك خاصة أن لديهم الأدوات، فلا خشية من مناقشة القضايا العصرية على ضوء النص القرآني والنص النبوي، وهناك علماء ومؤسسات منها الأزهر يستطيعون فعل ذلك.

ماذا إذا عُرض عليك أن تكوني أحد أعضاء لجنة تكون مهمتها تفسير القرآن وفقًا لمقتضيات العصر؟

أوافق، ولكن بحذر شديد لأن من يشاركني هذه المهمة يجب ألّا يكون محبطًا أو معوقًا، وإنما لديه طموحي نفسه حتى نستطيع تقديم أمر جديد للناس.

 ألا ترين أن مناهج الأزهر تحتاج الى تنقيح وتعديل يتناسب مع العصر؟

لا شك أن المناهج سواء في الأزهر أو غيره تحتاج إلى تعديل من وقت إلى آخر، من أهل الاختصاص الدقيقين جدًا المهتمين بتثبيت حقائق الدين مع حقائق التغيرات، لأن هناك بعض النقاط في المناهج كانت لعصور مضت ولم يراعِ مستجدات العصر الذي نحن فيه، هناك بعض التضييقات على المرأة في الأزمنة القديمة ما زالت تدرس في المناهج حتى الآن، وقد اختلف العصر كما اختلفت المرأة، وهناك بعض الجهات المختصة ترحب بهذا وبعضها يمنع.

ماذا عن كتابك" المرأة المسلمة بين عدل الشريعة وسوء التطبيق"؟

حقيقة حينما أرى رأياً شرعياً غير متداول في حياتنا اليومية أقوله ولا أخشاه، خاصة في قضايا المرأة، ليس كلامي تقليدياً مما يثار في الساحة، أو مما يتناوله رجال الفكر الديني، وإنما نقدي يقوم على ما أعرفه في عدل الشريعة، وما أراه خاطئاً في التطبيق والواقع، مما دفعني لتأليف كتاب كامل بعنوان" المرأة المسلمة بين عدل الشريعة وسوء التطبيق"، لدينا سوء تطبيق لكثير من النصوص لا يتسق مع الشريعة وإنما يتسق مع التقاليد والثقافة، مع هوى من يريد من ينقد أو يهاجم.

دائمًا ما تكون آمنة نصير رغم مكانتها العلمية محل نقد، لماذا؟

يطول لسان البعض دون وجه حق، وأذكر أنني قلت لهم مرة، اِطمئنوا لا أهتم ولا يعنيني أي نقد خارج عن إطار الأدب أو النقد البناء، لديًّ جينات صعيدية حادة جدًا، ولا أهتز لأي نقد أو هجوم خصوصًا إذا كان في غير موضعه، ولاحظت لاحقًا أن الناس بدأت تهدأ ويكون لديها بعض من اتزان.

الحقيقة نحن كشعب أصبح لدينا نوع من حدة اللسان في كثير من القضايا، ولم يكن هذا من طبيعتنا، فعندما يتحدث أحد بالجديد، لا بد أن تتلقفه الألسنة الحادة بالنقد والتجريح.

بعد الذي حدث من تجديد للفكر والثقافة في السعودية، هل يمكننا أن نقول إن الوهابية قضي عليها؟

ما فعلوه قديمًا هو أخذهم الموروث الثقافي وتقاليدهم ويعلقونها بأقوال لشيخ الجزيرة العربية محمد بن عبدالوهاب، وما يحدث الآن هو فك لذلك التطابق ما بين الموروث وبين ما يستدعونه من آراء ابن عبدالوهاب ويدعمونه به، لم يقل شيخ الجزيرة ما رأيته من هذا التضييق على المرأة والحياة الاجتماعية وبعض النصوص التي بها انفراجات لكسر الحياة، بدؤوا يأخذون من لغة العصر.

لقد عانت الثقافة المصرية منهم من خلال من ذهبوا من المصريين إلى السعودية وعادوا إلينا بما حملوه من هذه الثقافة، ما وجدناه في العشرين عامًا الماضية من شدة وآراء لم نعهدها من قبل، كان نتيجة من عادوا إلى مصر، ويجب أن تتغير لأنه ليس من صميم شرعنا ولا موروثنا الثقافي، يجب العودة إلى وسطية الإسلام الذي عايشناه من قرون مضت.

خضت معركة مع د. أحمد كريمة بسبب قوله بتعدد الزوجات، تفصيلًا ماذا عن التعدد وما ضوابطه حال حدوثه؟

قضية تعدد الزوجات قضية شائكة جدًا في مجتمعاتنا، خصوصًا عندما تطبق بدون ضوابط، وضوابطه في قوله تعالى “وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة” ولن تعدلوا ولو حرصتم، فأول شرط هو العدل، كذلك إذا لم تكن الزوجة تنجب وهو يريد أبناء، فمن حقه التزوج بأخرى، أو كانت مريضة لا تستطيع أن تقوم بواجبات الزوج، لكن الزواج الذي بلا سبب أو ضرورة لمجرد التعدد هنا تقع المشكلة، لوجود الهوى وعدم العدل، إذا دخل التعدد من الباب خرج العدل من الشباك، لأن هذا النوع لا تضمن له عدلاً ولا عدالة.

كيف ترين دعوات مساواة الرجل والمرأة في الميراث؟

لا يصح، فالقضايا التي فيها نص واضح لا اجتهاد فيها، ولكن يكون الاجتهاد في تطبيق العدالة، بمعنى إذا ورث الرجل ضعف الأخت فمن العدالة التزامه بحماية أخته وتولي مسؤوليتها، لكن يتميز ويبتعد عن ضروريات التميز من حماية أخته هذا غير عادل، نحن لا نجد ذلك هو يأخذ الضعف و"سلامو عليكم"، وبناء عليه إذا لجأت للقضاء يجب تطبيق العدل وهو إلزام الأخ بأن يفي أخته بما كلفه الله به، لأنه أخذ مقابلاً ذلك.

لماذا مثل هذه القضايا ما زالت تثير رجل الشارع ويعترض عليها بذات القوة في كل مرة تطرح فيها؟

لأنها ضد طبيعة الرجل، الذي يجب دائمًا أن يكون متميزًا، هذا جزء من أمراض النفس البشرية، سيظل يقاوم أي تقارب بين حقوقه وبين حقوق المرأة، ويوجد نوع من النساء ذكوريين أكثر من الذكور أنفسهم، فالنفوس البشرية عندما تدخل في مرحلة الفجور حدث عنها ولا حرج، ولذلك يجب تقويمها.

رأيك في المرأة العربية ومكافحتها ضد الموروثات الثقافية ومشايخ التشدد؟

مشكلة المرأة العربية وأمامها الرجل العربي، نحن في عالمنا العربي، ما زلنا نعيش في موروث يميز الرجل عن المرأة، ما زلنا لم نخرج من دائرة التمييز ما زالت متجذرة وأحسب أنها لن تزول.

ولكن هناك بارقة أمل تتمثل في النهضة لدى المرأة العربية، لديهن الوعي والتعرف على عدالة الشريعة فهناك صراع ما بين رغبة المرأة في الاستمتاع بعدل الشريعة، والرجل الذي طبق التقاليد على كل شيء.

ما رأيك في الظواهر الدينية كعبدالله رشدي، وما يقدمونه من محتوى متشدد يلتف حوله بسطاء الفهم للدين؟

هذا نوع من الانحراف، من يريد تقديم فكر يقدم واحدًا لتقويم الأخطاء ويبني البناء القوي، هذا ما أتمناه لأي متحدث في القضايا الاجتماعية والفكرة، أن يكون لبنة قوية تقوي البناء الاجتماعي لا تقوضه، كفانا قلاقل أتمنى أن نبتعد عما يؤثر في أمن وأمان المجتمع.

هناك نفوس تهفو إلى التجريح والنقد فربما يجدون في هذا الرجل ما يستسيغونه من نقد وتجريح في بعض الشخصيات.

قلت إن المرأة مكسورة، رضخت في داخلها لفكرة أن مهمتها تكون زوجة، وتقوم على تربية الأبناء فقط.. كيف ذلك؟

هذا حقيقي، للأسف بعض النساء ضعيفات الإرادة، فحينما تقف أمامها بعض الأمور المتعلقة بالتقاليد ترضخ وخصوصًا لدى المرأة في الصعيد وفي كثير من الدول العربية، هي ترضخ للتقاليد وليس للإسلام، مثل خروجها للعمل، لم يحرمه الإسلام ولكن هناك كثير من الرجال يرون أن عمل المرأة يعطيها قوة لا يستطيع الهيمنة عليها فيمنعها.

ما القوانين الخاصة بالمرأة التي تحتاج إلى تعديل بنظرك؟

أود فهم عدل التشريع الإسلامي لكل قضايا المرأة، فهو عدل وشرع عادل بأننا لا نستدعي التقاليد الموروثة ونضعها أمام عدالة الشرع، هذا أمر مهم، فبعض المفكرين يستدعون التقاليد ليستخدموها أمام عدل الشرع، ولا داعي لاستدعاء أمور من التقاليد تحجم المرأة، فمن حق المرأة التعلم والسفر وأن تعيش، ولكن استدعاء بعض التقاليد لمنعها من أن تخوض كل هذه الأمور ليس من الشرع.. نحن نحتاج إلى ضوابط للأمور كما في التعدد.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية