انتصاراً لحرية التعبير.. سحب مشروع "مكافحة الأخبار الكاذبة" في إيران
انتصاراً لحرية التعبير.. سحب مشروع "مكافحة الأخبار الكاذبة" في إيران
في لحظة نادرة من التراجع السياسي، سحبت الحكومة الإيرانية مشروع قانون "مكافحة نشر المحتوى الإخباري الكاذب على شبكات التواصل الاجتماعي"، وهو المشروع الذي أثار جدلاً واسعًا منذ الإعلان عنه، وواجه انتقادات حادة اعتبرته محاولة جديدة لخنق حرية التعبير وتوسيع دائرة الرقابة الرقمية.
ويعكس هذا التراجع، الذي جاء تحت ضغط مجتمعي وإعلامي، صراعًا محتدمًا بين رغبة السلطة في السيطرة، وتمسك الإيرانيين، خاصة الصحفيين والنشطاء، بمساحتهم الأخيرة من التعبير في الفضاء الافتراضي، بحسب ما ذكرت شبكة "إيران إنترناشيونال"، اليوم الأربعاء.
لم يكن المشروع مجرد إجراء تنظيمي أو آلية قانونية للحد من التضليل، بل كان، بحسب الكثيرين، بمثابة أداة خنق رقمي بيد السلطة، صيغت عباراته بلغة فضفاضة تسمح بتجريم أي محتوى لا ينسجم مع الخطاب الرسمي، فـ"المحتوى المضلل"، "الناقص"، و"المشوّش لذهن المتلقي" كانت مصطلحات كافية لإرسال المستخدمين خلف القضبان أو حرمانهم من حقوقهم الاجتماعية.
الرقابة تصطدم بالإرادة الشعبية
برزت خطورة المشروع في سياق حساس أعقب وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وهي فترة كثرت فيها شهادات المواطنين العاديين الذين كسروا حاجز الرقابة، وثّقوا الأحداث، وانتقدوا الأداء الرسمي عبر المنصات الاجتماعية.
ولأول مرة منذ سنوات، بدا أن المواطن الإيراني بات إعلاميًا مستقلًا بذاته، يروي الواقع من موقع الحدث، ويتجاوز الرواية الرسمية التي كانت تحتكرها مؤسسات الإعلام الحكومي.
ورغم الحماسة الأولى للمشروع من قبل حكومة الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، فإن الرسالة التي وجّهها 19 نائبًا إصلاحيًا إليه للمطالبة بسحب المشروع كانت ذات أثر بالغ.
بدت الرسالة وكأنها موقف أخلاقي وسياسي نادر في المشهد البرلماني الإيراني، ما مهّد لسحب المشروع قبل مناقشته العلنية، رغم موافقة سابقة على صفة الاستعجال له بـ205 أصوات.
الرأي العام يكسر الصمت
رافقت تلك التطورات حملة رقمية واسعة داخل إيران، تم فيها تداول انتقادات واسعة للمشروع، وتحذيرات من تحوّله إلى ذريعة لتكميم الأفواه في الأزمات.
وأعلنت المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، لاحقًا على منصة "إكس" عن سحب المشروع، مبررة القرار بـ"الحفاظ على الانسجام الوطني"، في تلميح غير مباشر إلى الضغط المتصاعد.
ورغم أن سحب المشروع يُنظر إليه كـ"تراجع لصالح حرية التعبير"، فإن المراقبين يؤكدون أن المسألة أعمق من مجرد قانون طُرح وسُحب، فالإشكال ليس في النصوص وحدها، بل في منظومة قانونية وأمنية كاملة تُجرّم التعبير غير المنسجم مع إرادة السلطة، باستخدام قوانين غامضة وقديمة مثل تلك الصادرة عن "المجلس الأعلى للفضاء السيبراني".
مقاومة منصات التعبير
يمثل الفضاء الرقمي اليوم آخر الجبهات التي يمكن للمواطن الإيراني أن يمارس فيها مقاومة رمزية، الصحفيون، الفنانون، والنشطاء، لم يعودوا يثقون بالإعلام الرسمي، بل يصنعون قصصهم بأنفسهم، حتى وإن كلّفهم ذلك الاعتقال أو الحظر.
ويمثل سحب هذا المشروع، ولو جزئيًا، نقطة لصالح هذه الجبهة الإلكترونية الشعبية، التي ترفض أن تتحول منصات التواصل إلى غرف تحقيق.