عقول مهاجرة.. إيران تخسر أبناءها الأكثر كفاءة في موجة هجرة للمتعلمين
عقول مهاجرة.. إيران تخسر أبناءها الأكثر كفاءة في موجة هجرة للمتعلمين
في ممرّات الجامعات الإيرانية، لم تعد صور حفل التخرج تبعث الفخر كما في السابق، بل أصبحت رمزًا للحظة الوداع، لحظة يتسلّم فيها الشاب أو الشابة شهادة البكالوريوس، وتبدأ رحلة البحث عن الفيزا، لا عن فرصة داخل البلاد.
لم تكن كلمات بهرام صلواتي، الرئيس السابق لمرصد الهجرة الإيراني، مجرد إحصائيات، حين قال إن 4% من المتعلمين والطلبة الإيرانيين قد غادروا البلاد، لم يكن يتحدث عن رقم عابر، بل عن جرح مفتوح في الجسد الإيراني، ينزف كفاءات وأملاً بمستقبل مختلف، بحسب ما ذكرت شبكة “إيران إنترناشيونال”، اليوم الثلاثاء.
"هؤلاء يمتلكون العقول المفكرة والقدرة على الإبداع.. كان ينبغي توظيفهم في خدمة وطننا.. لكنهم غادروا"، يقول صلواتي بأسى.
ارتفاع نسبة هجرة المتعلمين
حتى وقت قريب، لم تكن نسبة هجرة المتعلمين تتجاوز 1%، لكن منذ 2021، وبحسب صلواتي، تسارعت الوتيرة بشكل غير مسبوق، تضاعف عدد الطلبة الإيرانيين المهاجرين من 60 ألفًا في 2015 إلى أكثر من 120 ألفًا في 2025، مع معدل عودة لا يتجاوز 1% فقط.
وإذا كان الرقم يبدو بسيطًا في ظاهره –4%– فإنه يخفي وراءه نزيفًا نوعيًا، فهؤلاء المهاجرون لا يمثلون فقط حملة الشهادات، بل هم الأطباء والمهندسون وأساتذة الجامعات، ممن تتكئ عليهم الدول في بناء مستقبلها.
ويصف صلواتي الهجرة اليوم بأنها أصبحت "أحادية الاتجاه"، بعد أن كانت يومًا ما حركة تبادلية، "في السابق، كان الإيرانيون يغادرون لاكتساب الخبرة ثم يعودون لبناء بلدهم، أما الآن، فقد أصبحت الهجرة خيارًا للبقاء الشخصي، لا للتطوير المؤسسي"، يقول.
ويكشف استطلاع حديث أجرته مؤسسة "استاسيس" في واشنطن عن أن 68% من الشباب الإيراني يفضلون العيش خارج البلاد، وهو رقم صادم في بلد لطالما قدّم نفسه على أنه يحتضن جيله الشاب.
أسباب وراء القرار
ليست هذه الموجة وليدة الأزمة الاقتصادية فقط، بل تتجذر أيضًا في القيود السياسية، وخنق الحريات الثقافية، والإحباط المتراكم من انسداد الأفق.
شباب مثل ليلى، طالبة ماجستير في جامعة شريف التكنولوجية، تقول: "أريد أن أعيش حياة طبيعية. أن أتمكن من التعبير عن رأيي، من ارتداء ما أريد، من أن أصبح أستاذة في جامعة لا تخضع لرقابة سياسية".
لكن حتى من لا يهتم بالسياسة، لا يجد اليوم في بلاده ما يحفزه للبقاء. رواتب الأطباء المتخصصين بالكاد تكفي، والأساتذة يُستنزفون في أعمال إضافية، والباحثون يواجهون جدارًا من البيروقراطية والمحسوبية.
الهجرة تحوّلت لظاهرة جماعية
ليست إيران وحدها من تعاني من هجرة العقول، لكن ما يميّز حالتها أن الهجرة تحوّلت إلى ظاهرة جماعية تطول مختلف الطبقات، من الريف إلى المدن، من المتفوقين إلى أصحاب الحرف.
ولعل الأخطر، بحسب صلواتي، أن "السياسات الوطنية لا تعكس إدراكًا حقيقيًا لحجم المشكلة، ولا يوجد حافز واضح لإعادة هذه الكفاءات أو الاحتفاظ بها."
وربما تتجاهل الجهات الرسمية دلالة الأرقام، أو تحاول التقليل من أثرها.. لكن في الواقع، فإن هجرة 4% من العقول الإيرانية تعني فقدان آلاف الأطباء والمهندسين والأساتذة الذين كلفت الدولة الملايين لتعليمهم، دون أن تستثمر لاحقًا في ضمان بقائهم.