من طفلة هاربة إلى مقاتلة.. حكاية إيزدا آفاشين التي هزمت ظلام "داعش"
من طفلة هاربة إلى مقاتلة.. حكاية إيزدا آفاشين التي هزمت ظلام "داعش"
قبل أحد عشر عامًا، كانت إيزدا آفاشين طفلة لا يتجاوز عمرها التاسعة، تنام مطمئنة بين جدران بيتها في إحدى قرى شنكال (سنجار) العراقية، ترسم في خيالها أحلامًا ملونة بألوان قوس قزح.
لكن ليلة الثالث من أغسطس 2014، انقلب المشهد رأسًا على عقب، استيقظت على أصوات الرصاص وصراخ الهاربين، وعلى وقع خطوات الخوف التي دفعتها وأسرتها نحو الجبال؛ بحثًا عن حياة وسط ظلام لا يرحم، بحسب ما ذكرت وكالة " JINHA"، اليوم الاثنين.
كانت تلك الليلة بداية "الفرمان" الذي نفذه تنظيم داعش ضد الإيزيديين، مجزرة جماعية حملت رائحة الإبادة، وشهدت أفظع مشاهد القتل والسبي والتشريد.
الطلقة الأولى والخوف الأول
تحكي إيزدا: "كنت نائمة بجانب أخواتي، وفجأة دوّى إطلاق النار في الخارج، هرعت أمي إلينا، وقالت: لا تخافوا. لكنها كانت المرة الأولى التي أسمع فيها صوت الرصاص بهذا القرب، شعرت برعب شديد، مع شروق الشمس، بدأ الناس يركضون من تلعزير وسكينية نحو قريتنا، ولم أفهم السبب، بعد الظهر، مرت سيارة لداعش وقالوا إنهم جاءوا لإنقاذنا، لكن مظهرهم -الثياب السوداء واللحى الطويلة- جعلني أرتجف".
ذلك اليوم، أطفأ والدها كل الأنوار في محاولة لتجنب هجوم المسلحين. لكن الظلام الذي أحاط بالبيت كان أخف وطأة من الظلام الذي بدأ يخيّم على حياة إيزدا ومجتمعها.
ومع حلول المساء، قررت العائلة الهرب نحو الجبال، كانت رحلة شاقة امتدت سبعة أيام، بلا طعام أو ماء كافٍ، سوى فتات خبز يابس يُبلل بالماء حتى يسهل بلعه. الأطفال يبكون من الجوع، والرضع يصرخون عطشًا.
"رأيت أمهات يتركن أطفالهن تحت الصخور ويمضين هربًا من الموت، ورأيت فتيات يمسكن بأيدي بعضهن ويلقين بأنفسهن من قمم الجبال حتى لا يقعن في قبضة داعش"، تقول إيزدا بصوت تخنقه الذكريات.
لم يكن أمامهم سوى الصمود حتى جاء مقاتلو الحرية -من وحدات حماية الشعب والمرأة، إلى جانب قوات الكريلا- لفتح ممر إنساني أوصل آلاف الإيزيديين إلى بر الأمان في روج آفا. كانت تلك اللحظة أول شعاع نور في عتمة الفرمان.
طفلة كبرت لتصبح مقاتلة
أقامت إيزدا وعائلتها أربع سنوات في شمال وشرق سوريا، حيث تعرفت عن قرب على حركة الحرية وفلسفة عبد الله أوجلان، لكن الحدث المفصلي في حياتها كان استشهاد ابن عمتها، الذي زرع في قلبها رغبة عارمة في الانتقام من التنظيم الذي سلب طفولتها.
روت إيزيدا، "قررت الانضمام إلى وحدات حماية المرأة في شنكال (YJŞ) حتى لا يتكرر ما حدث. نحن النساء الإيزيديات تعلمنا أنه لا قوة تحمينا سوى قوتنا المنظمة".
اليوم، بعد أكثر من عقد على الفرمان، لم تعد إيزدا تلك الطفلة التي تركض هربًا من الموت. أصبحت مقاتلة مدربة، تحمل السلاح وتدافع عن أرضها وشعبها، وتزرع الأمان حيث داعش يزرعون الرعب.
قالت إيزدا: "حوّلت الخوف الذي زرعه داعش في داخلي إلى قوة عظيمة.. الآن، أنا قادرة على حماية أحلام الأطفال الإيزيديين حتى لا تُسحق مجددًا".
إيزدا، كغيرها من الناجين، تحمل ذاكرة مثقلة بالمآسي، لكنها اختارت أن تكون هذه الذاكرة وقودًا لمقاومتها. بالنسبة لها، الفرمان ليس ذكرى فقط، بل عهدٌ ألا يتكرر.
قصتها ليست مجرد سيرة شخصية، بل صورة مكثفة لرحلة مجتمع بأكمله من الاضطهاد إلى النهوض، ومن الخوف إلى القوة.