صرخة من الأرض.. 180 دولة تبحث في جنيف وقف كارثة التلوث البلاستيكي
صرخة من الأرض.. 180 دولة تبحث في جنيف وقف كارثة التلوث البلاستيكي
بدأ ممثلون عن 180 دولة، الثلاثاء، في جنيف مفاوضات حاسمة برعاية الأمم المتحدة، تهدف إلى وضع أول معاهدة عالمية ملزمة قانونياً لمكافحة التلوث البلاستيكي، في ظل تنبيهات علمية وبيئية متزايدة بأن هذه الآفة تهدد صحة البشر والنظم البيئية وحتى الاقتصاد العالمي.
المؤتمر، الذي يستمر لعشرة أيام، يأتي بعد فشل سابق في ديسمبر الماضي بمحادثات "بوسان" في كوريا الجنوبية، حيث عطلت دول منتجة للنفط التقدم في التفاوض على بنود حاسمة، بينها سقف الإنتاج وحظر بعض المواد الكيميائية.
تعقيدات سياسية وتجارية
في اليوم الافتتاحي، حذر رئيس المفاوضات، الدبلوماسي الإكوادوري لويس فاياس فالديفييسو، من المبالغة في التفاؤل، قائلاً: "لن ينبثق النص القانوني الملزم تلقائيًا.. يجب أن نواجه تعقيدات سياسية وتجارية معقدة".
في المقابل، عبّرت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، عن تفاؤل مشوب بالحذر، مؤكدة أن "هناك رغبة سياسية من معظم الدول للوصول إلى اتفاق".
وجاء الضغط الأكبر من العلماء ومنظمات المجتمع المدني الذين كثّفوا تحركاتهم عشية الاجتماع، محذرين من الآثار الصحية الكارثية للبلاستيك، خاصة على الأطفال والفئات الضعيفة.
وفي تقرير نشرته مجلة ذي لانسيت الطبية المرموقة، حذر خبراء من أن التلوث البلاستيكي يُشكّل "خطرًا جسيماً ومتصاعدًا ومُقللاً من شأنه" على الصحة العامة، مؤكدين أن كلفته الاقتصادية تتجاوز 1.5 تريليون دولار سنوياً.
وقال الدكتور فيليب لاندريغان، الباحث في كلية بوسطن، إن "جزيئات البلاستيك الدقيقة تغزو الماء والغذاء والهواء"، موضحًا أن الأطفال هم الأكثر عرضة للأمراض المرتبطة بها.
بحر من النفايات
أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف، وقف عمل فني بعنوان عبء المفكر، نسخة من تمثال أوغست رودان الشهير، محاطًا بآلاف النفايات البلاستيكية، تعبيرًا رمزيًا عن ثقل أزمة التلوث على البشرية.
قال الفنان الكندي بنجامين فون وونغ، مبتكر العمل: "أردتُ أن أُرغم صناع القرار على التفكير في التأثير الإنساني للتلوث، لا فقط البيئي".
وفي المقابل، دافع ممثلو صناعة البتروكيميائيات عن استخدام البلاستيك، مؤكدين أنه أساسي للصحة العامة، خاصة في المعدات الطبية والأدوات الجراحية والتغليفات الصحية والغذائية.
لكن منظمات مثل غرينبيس وتراش هيرو وورلد لم تُخفِ معارضتها، مطالبة بـ"خفض جذري لإنتاج البلاستيك"، مع الإشارة إلى ضرورة تحول عادل للعمال في البلدان التي تعتمد اقتصاديًا على صناعات البتروكيميائيات.
وقالت سيما برابهو من "تراش هيرو": "نريد تقليل الإنتاج، لكن بشكل عادل يوفر بدائل وفرص عمل في مجالات إعادة التدوير وإعادة الاستخدام".
تحديات بيئية وصحية
يُعدّ التلوث البلاستيكي اليوم من أبرز التحديات البيئية والصحية التي تواجه العالم، مع إنتاج سنوي يتجاوز 400 مليون طن من البلاستيك، لا يُعاد تدوير سوى جزء ضئيل منه، وتُنقل كميات هائلة من هذه النفايات إلى المحيطات والأنهار، ما يؤدي إلى تلوث واسع للمياه والتربة والغذاء.
وكشفت دراسات حديثة عن وجود جزيئات بلاستيكية دقيقة في هواء المدن، وفي مياه الشرب، بل وحتى في دم الإنسان، ما يرفع من المخاوف الصحية المرتبطة بالتعرض المستمر لها، ولا سيما بين الأطفال والفئات الهشة.
وأمام هذه الكارثة الصامتة، تسعى الأمم المتحدة إلى إقرار معاهدة دولية شاملة تُنظّم دورة حياة البلاستيك، من التصنيع إلى الاستخدام والتخلص، على أمل التوصل إلى اتفاق ملزم بحلول نهاية عام 2025، ويعتمد نجاح هذا المسار على قدرة المجتمع الدولي في تجاوز الانقسامات التجارية والسياسية لأجل مستقبل أكثر استدامة للكوكب وسكانه.