العدوان على الإعلام.. سلاح إسرائيل لطمس معالم الإبادة في غزة

العدوان على الإعلام.. سلاح إسرائيل لطمس معالم الإبادة في غزة
استهداف الصحفيين في غزة

منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر 2023، لم تعد الكاميرا مجرد أداة لنقل الحقيقة، بل أصبحت هدفًا مباشرًا في ساحة حرب باتت الأكثر دموية في التاريخ الحديث للعمل الصحفي، مئات الصحفيين يعملون تحت النيران، معظمهم محاصرون داخل القطاع دون أدنى حماية، في حين يُمنع المراسلون الدوليون من الدخول، ليُترك الميدان فارغًا من الشهود، إلا من أجساد الصحفيين المتناثرة تحت الأنقاض.

ما يجري في غزة اليوم ليس فقط عدوانًا على المدنيين والبنى التحتية، بل اعتداء ممنهج على حرية الصحافة، يُهدد ركائز الحق في المعرفة، ويعكس انحدارًا خطِرًا في احترام القانون الدولي الإنساني.

العدوان على الصحافة بالأرقام

وفقًا لمبادرة "حرية التغطية الإعلامية"، قُتل ما يقرب من 230 صحفيًا فلسطينيًا منذ بدء الحرب، ما يجعل هذا الصراع "الأعنف في التاريخ الحديث ضد الصحفيين"، في حين توثق منظمات، مثل "مراسلون بلا حدود" و"لجنة حماية الصحفيين" و"هيومن رايتس ووتش"، أدلة على استهداف متعمد، طال صحفيين مع عائلاتهم في منازلهم، أو أثناء تأدية عملهم، أو حتى في أماكن يفترض أنها آمنة كالمدارس أو المقرات الإعلامية.

يُضاف إلى ذلك تدمير عشرات المكاتب والمؤسسات الإعلامية، منها مقرات لقنوات كبرى وصحف محلية، ومصادرة المعدات وقطع الاتصالات، في محاولة ممنهجة لإسكات رواية من الداخل.

حصار مضاعف: المنع من الدخول والمنع من الخروج

المنع الإسرائيلي المستمر للصحفيين الدوليين من دخول غزة يُفاقم عزلة القطاع الإعلامية، فمنذ بداية الحرب، لم يُسمح لأي طاقم صحفي دولي مستقل بالدخول إلى غزة بحرية، ما ترك السردية الإعلامية رهينة الروايات الرسمية، معرضة للتضليل والطمس.

وفي بيان مشترك أصدرته، الثلاثاء، وكالات عالمية كـ رويترز، بي بي سي، أسوشيتد برس، وفرانس برس، طالبت تلك الجهات بالسماح الفوري وغير المشروط للصحفيين بدخول غزة، وأكدت أن الصحفيين في الداخل لا يجدون حتى الطعام لعائلاتهم، ناهيك عن الأمن أو الرعاية الصحية أو حرية الحركة.

صرخة ضمير عالمي

في مواجهة هذا الواقع المأساوي، وقّع أكثر من 200 صحفي دولي ومراسل حربي عريضة أطلقها المصور العالمي "أندريه ليون"، تدعو للسماح الفوري للصحافة الأجنبية بالدخول إلى غزة. من بين الموقعين أسماء مرموقة مثل أليكس كروفورد (سكاي نيوز)، وكريستيان أمانبور (سي إن إن)، ومهدي حسن، والمصورة الحربية كلاريسا وارد.

العريضة التي وصفت ما يحدث في غزة بأنه "أكثر النماذج إلحاحًا لقمع الصحافة"، لم تكتفِ بالمطالبة بالدخول، بل دعت الصحفيين إلى التفكير بالدخول “بأي وسيلة مشروعة، وبشكل مستقل أو بالتنسيق مع منظمات إنسانية” إذا استمر الحظر. وعدت ما يجري تهديد عالمي لحرية الصحافة، لا يقتصر فقط على غزة، بل يشكل سابقة خطِرة على مستوى العالم.

القانون الدولي: حماية غائبة

تنص اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها على أن الصحفيين الذين يقومون بتغطية النزاعات المسلحة يُعتبرون مدنيين، ويجب ألا يُستهدفوا ما لم يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية. كما تُلزم الاتفاقيات جميع الأطراف بتأمين مرور آمن للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك الإعلاميون والمنظمات الإعلامية.

ورغم ذلك، تشير منظمات مثل العفو الدولية ومراسلون بلا حدود إلى أن إسرائيل تنتهك هذه المبادئ بشكل منهجي، وهو ما قد يُعد جريمة حرب إذا ثبت أنه يتم بصورة متعمدة ومتكررة.

العدوان الإعلامي الإسرائيلي ليس جديدًا، بل يُشكل نمطًا متكررًا. ففي حرب 2014 على غزة، استُهدف صحفيون ومؤسسات إعلامية، وتكرّر المشهد في حروب 2008 و2012، لكن ما يميز حرب 2023–2025 هو الكم والنوع: حيث العدد غير المسبوق من الضحايا في صفوف الصحفيين، المنع التام للإعلام الأجنبي، استهداف عائلات الصحفيين، وغياب أي مساءلة دولية فعلية.

إعلاميون تحت الحصار.. وبلا دروع

لا يمتلك معظم صحفيي غزة معدات وقاية، ولا وسائل تنقل، ولا حتى وقودًا لتشغيل الكاميرات، ينامون في مقرات مهجورة، ويقاطعون الطعام لتوصيل الصور، في المقابل، لا تقدم المؤسسات الإعلامية الكبرى سوى دعم محدود، في ظل استمرار الحصار، وصعوبة مغادرة القطاع حتى للعلاج أو الإغاثة.

حتى إن المعهد الدولي لسلامة الأخبار أصدر بيانًا يدعو إسرائيل للسماح للصحفيين وأسرهم بمغادرة القطاع في حال أرادوا، باعتبار ذلك "حدًا أدنى من الحماية الأخلاقية".

ماذا بعد؟ دعوة للمساءلة الدولية

رغم هذه الانتهاكات الجسيمة، لم يُفتح أي تحقيق دولي مستقل في جرائم الحرب بحق الصحفيين، وتدعو منظمات حقوقية إلى:

-فتح تحقيق أممي بموجب المادة 7 من ميثاق الأمم المتحدة، وتفعيل آلية المساءلة في المحكمة الجنائية الدولية، وفرض عقوبات على المسؤولين عن الانتهاكات، وتوفير ممرات آمنة فورية للإعلاميين.

كما تتعالى الدعوات لإنشاء صندوق دعم دولي لحماية الصحفيين في مناطق النزاع، يقدّم دعمًا لوجستيًا وماليًا ومهنيًا.

وتؤكد المنظمات الحقوقية والصحفية العالمية أن العدوان على الصحافة في غزة ليس مجرد قمع حرية تعبير، بل اعتداء على الذاكرة الجماعية للإنسانية. حين يُقتل الصحفي، يُغتال معه الشاهد، ويُترك الجاني ليروي الرواية وحده. وتشدد على أن الدفاع عن حرية الصحافة في غزة هو دفاع عن الحق في المعرفة، وعن حرية الإنسان، وعن العدالة في زمنٍ يتراجع فيه الضمير الدولي أمام آلة الحرب.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية