مهاجرون إلى المجهول.. هل تصبح رواندا محطة إجبارية جديدة لطالبي اللجوء؟
مهاجرون إلى المجهول.. هل تصبح رواندا محطة إجبارية جديدة لطالبي اللجوء؟
في ظل تصاعد السياسات المتشددة تجاه المهاجرين، توصلت الولايات المتحدة ورواندا إلى اتفاق يسمح بترحيل ما يصل إلى 250 مهاجرًا من الأراضي الأمريكية إلى كيغالي، العاصمة الرواندية، وفق ما أعلنه مسؤولون روانديون، اليوم الثلاثاء، بحسب “رويترز”.
يأتي هذا الاتفاق في سياق توجه أوسع من إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لاعتماد ما يُعرف بـ"النقل إلى دول ثالثة" كحل بديل لترحيل المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء إلى أوطانهم الأصلية، والتي غالبًا ما تكون غير آمنة أو غير مستقرة.
لكن هذا النوع من الترتيبات يثير جدلاً قانونيًا وأخلاقيًا متزايدًا، وسط تحذيرات من أن هذه الخطط قد تتحول إلى شكل جديد من "الترحيل القسري المقنّع"، تحت شعارات إنسانية ظاهرها الرحمة، وباطنها التخلي عن الالتزامات الحقوقية الدولية.
ما الذي نعرفه عن الاتفاق؟
وُقّع الاتفاق في العاصمة الرواندية كيغالي خلال شهر يونيو الماضي، دون إعلان رسمي من الجانب الأمريكي.
ينص على أن تستقبل رواندا ما يصل إلى 250 مهاجرًا رُحّلوا من الولايات المتحدة، وبدأت رواندا دراسة قائمة أولية تضم 10 أفراد للنظر في حالاتهم.
تمنح الاتفاقية الحكومة الرواندية حق مراجعة كل ملف على حدة، مع وعود بتوفير تدريب مهني ورعاية صحية ودعم سكني للمقبولين.
قالت يولاند ماكولو، المتحدثة باسم الحكومة الرواندية: نعرف ما يعنيه النزوح، رواندا، بقيمها وخبراتها، مستعدة للمساعدة في إعادة تأهيل هؤلاء الأشخاص."
"مشكلة الهجرة" خارج الحدود
تأتي هذه الخطوة في إطار حملة أوسع شنتها إدارة ترامب لترحيل ملايين المهاجرين غير النظاميين، عبر:
تسريع إجراءات الترحيل الجماعي، وتوقيع اتفاقيات ثنائية لترحيل مهاجرين إلى "دول ثالثة" لا تربطهم بها صلة مباشرة، وإرسال مهاجرين مُدانين إلى دول مثل جنوب السودان وإسواتيني.
تسعى هذه السياسات إلى تحييد الضغوط السياسية الداخلية عبر "تدويل ملف الهجرة"، لكنها في المقابل تنقل المأساة إلى دول غالبًا ما تفتقر إلى الإمكانات اللازمة أو الأطر الحقوقية لحماية هؤلاء المرحّلين.
انتهاك اتفاقية جنيف
منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أعربتا في مناسبات سابقة عن قلقهما البالغ من هذا النهج، معتبرتين أنه يُشكّل: انتهاكًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في اتفاقية اللاجئين لعام 1951.
ويعد مقامرة بمصائر أشخاص هاربين من الاضطهاد أو الفقر، إذ قد لا تتوفر لهم الحماية الكافية في بلد ثالث مثل رواندا، كما يمثل ضربًا لمفهوم المسؤولية المشتركة في استقبال اللاجئين، والذي يفترض أن تتحمله الدول الكبرى، لا تصديره إلى دول ذات موارد محدودة.
وفي وقت سابق ذكرت "العفو الدولية" أنّ عمليات الترحيل إلى دول أخرى مثل جنوب السودان وليبيا تضع حياة المهاجرين في خطر مباشر، خاصة أنّ هذه الدول تشهد نزاعات مسلحة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فيما أكدت منظمة الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU) أنّ ترحيل مهاجرين إلى دول لا يعرفونها أصلاً، ولا تربطهم بها أي علاقة ثقافية أو لغوية، يمثل إجراءً عقابياً تعسفياً.
إحصاءات وحقائق
وفق بيانات مركز بيو للأبحاث (2024)، يقدر عدد المهاجرين غير النظاميين في الولايات المتحدة بأكثر من 10.5 مليون شخص، نحو 500 ألف شخص مهددون بالترحيل سنويًا بموجب قوانين الهجرة الفيدرالية.
رواندا تستضيف بالفعل آلاف اللاجئين من دول الجوار مثل الكونغو وبوروندي وجنوب السودان، وبحسب مفوضية اللاجئين الأممية، يعاني 70% من اللاجئين في رواندا من نقص الغذاء والخدمات الأساسية رغم البرامج الإنسانية المتاحة.
رغم ما أبدته الحكومة الرواندية من نوايا طيبة، فإن القدرة الفعلية على استيعاب وترميم آثار الترحيل على الأفراد تبقى محدودة فالمهاجرون القادمون من بيئة ثقافية واقتصادية مختلفة قد يواجهون:
صعوبات لغوية وثقافية، وصدمة نفسية ناتجة عن التهجير المفاجئ، وغياب الأمان الوظيفي أو القانوني، وعزلة اجتماعية في ظل محدودية برامج الاندماج.
تجربة مشابهة سابقة كانت في الاتفاق بين بريطانيا ورواندا عام 2022 لترحيل طالبي اللجوء، وقد فشلت فعليًا بعد ضغوط قانونية وحقوقية هائلة، رغم محاولات متكررة لتفعيله.
“الطرد المخملي” مصطلح جديد
يستخدم بعض الحقوقيين مصطلح "الطرد المخملي" لوصف مثل هذه الاتفاقيات، التي تُجمّل إجراءات الترحيل عبر الحديث عن "إعادة التأهيل" و"بدء حياة جديدة"، بينما الواقع يُظهر أن المهاجرين لم يختاروا رواندا وجهة لهم، ولا يُمنحون خيار رفض النقل دون خسارة فرصهم في الحماية، يجري الترحيل غالبًا دون دعم قانوني كافٍ أو إشراف دولي مستقل.
الاتفاق بين الولايات المتحدة ورواندا يحمل أبعادًا رمزية قوية: فهو يُظهر استعداد بلد أفريقي صغير للمساهمة في حل أزمة الهجرة الدولية، لكنه في ذات الوقت يُسلّط الضوء على انحدار أخلاقي في تعامل بعض الدول الكبرى مع المهاجرين، وتراجع الالتزام بالمبادئ التأسيسية لحقوق الإنسان، وتصدير الأزمات إلى "الأطراف" الجغرافية والاقتصادية للعالم.