بمواجهة تهديدات الترحيل.. تأييد شعبي غير مسبوق لحقوق المهاجرين في أمريكا

بمواجهة تهديدات الترحيل.. تأييد شعبي غير مسبوق لحقوق المهاجرين في أمريكا
مظاهرة في الولايات المتحدة - أرشيف

في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس دونالد ترامب الدفع بخططه المثيرة للجدل لتنفيذ أكبر حملة ترحيل جماعي في تاريخ الولايات المتحدة، أظهرت نتائج استطلاع جديد للرأي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الجمعة أن الرأي العام الأمريكي بدأ يتحول بشكل لافت لصالح المهاجرين، في لحظة تتقاطع فيها الحسابات الانتخابية مع الأسئلة الأخلاقية حول معنى العدالة والانتماء في بلد يعد الهجرة جزءًا من تاريخه وهويته.

وبحسب تقرير الصحيفة الأمريكية، بلغت نسبة الأمريكيين الذين يرون في الهجرة "أمرًا جيدًا للبلاد" نحو 79%، وهي أعلى نسبة تسجَّل منذ أكثر من عقدين، وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب في يونيو 2025، يأتي هذا التحول بعد سنوات من التراجع في تأييد سياسات الانفتاح تجاه المهاجرين، خاصة مع تصاعد الخطاب المتشدد الذي اتبعه ترامب منذ ولايته الأولى.

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن نسبة الأمريكيين الذين عبّروا عن رغبتهم في خفض أعداد المهاجرين انخفضت من 55% العام الماضي إلى 30% فقط هذا العام، ما يعكس انقلابًا واضحًا في المزاج الشعبي تجاه قضية كانت في السنوات الماضية من أكثر الملفات إثارة للانقسام.

تغيير مواقف الحزب الجمهوري

ولم يقتصر هذا التبدل على ناخبي الحزب الديمقراطي، بل شمل أيضًا قطاعًا متزايدًا من الجمهوريين، وكما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها نُشر يوم الجمعة، فإن نسبة الجمهوريين الذين يؤيدون خفض معدلات الهجرة تراجعت من 88% عام 2024 إلى 48% فقط في منتصف 2025، في مؤشر على انقسام داخل القاعدة المحافظة بشأن كيفية التعامل مع ملف الهجرة.

وأوردت الصحيفة ذاتها أن 64% من الجمهوريين اليوم يرون الهجرة "أمرًا جيدًا للبلاد"، بعدما كانت النسبة لا تتجاوز 39% قبل عام فقط، وهو ما عدّه خبراء استطلاعات الرأي "تغيرًا لافتًا، يرتبط بتنامي وعي الجمهور بواقع السياسات القمعية وتأثيرها في العائلات والمجتمعات المحلية".

ورغم تصدر الهجرة قائمة القضايا التي يبني ترامب حملته الانتخابية عليها، فإن دعمه الشعبي في هذا الملف بدأ يتآكل، فقد أظهر استطلاع غالوب الأخير، أن 35% فقط من الأمريكيين يوافقون على طريقة تعامل ترامب مع قضية الهجرة، مقارنة بـ46% في فبراير، في حين عبّر 53% عن رفضهم الصريح لنهجه، معتبرين أنه "يذهب بعيدًا في تطبيق القانون".

وأبرزت "أسوشيتد برس" في تغطيتها للموضوع أن التأييد لعمليات الترحيل الجماعي آخذ في الانخفاض، حتى بين صفوف من كانوا بالأمس مؤيدين لها، ونقلت الوكالة عن محللين قولهم إن "تجارب المهاجرين، وصور العائلات المفككة، أسهمت في إثارة أسئلة أخلاقية تتجاوز الحسابات الأمنية والسياسية".

المهاجرون كضحايا لا كأرقام

ولم تغب النبرة الحقوقية عن تغطيات الصحف، إذ استحضرت نيويورك تايمز في تقريرها شهادة ليديا سعد، مديرة البحوث الاجتماعية في مؤسسة غالوب، التي قالت إن "المواقف تجاه الهجرة كانت تمر بفترة اضطراب، لكننا بدأنا نلحظ عودة إلى الاتزان، وإن كانت لا تزال مثقلة بالانقسامات الحزبية".

كما شدّدت صحيفة "بوليتيكو"، في تقرير نشرته الجمعة، على أن "التحول الأخير في المواقف تجاه الهجرة مدفوع بعوامل إنسانية واجتماعية، إذ بات كثير من الأمريكيين يرون أن السياسات المتشددة لا تحميهم بقدر ما تسهم في تعميق الانقسامات، وخلق طبقات اجتماعية محرومة من الحقوق الأساسية".

وركزت "نيوزويك" على الأثر الحقوقي لخطط الترحيل الجماعي، مشيرة إلى أن "ترحيل الأفراد دون محاكمة عادلة، وتقييد حقهم في الطعن القانوني، وحرمان الأطفال المولودين في الولايات المتحدة من الجنسية، كلها إجراءات تتعارض مع روح القانون الأمريكي والتزامات البلاد الحقوقية".

المجتمعات المتضررة: لا تسلبونا الكرامة

وفي مشهد يختزل حجم المعاناة، نقلت صحيفة "تيين فوج" قصة الطالبة نوري سانتاي راموس، التي تم ترحيلها قسرًا مع والدتها رغم استقرارها الدراسي والاجتماعي في لوس أنجلوس، لتجد نفسها في غواتيمالا محرومة من أبسط حقوقها التعليمية، تمثل هذه القصة -بحسب المجلة- نموذجًا لصوت المهاجرين الذين يتحملون كلفة سياسية لا دخل لهم بها.

وعلّقت هيومن رايتس ووتش في تقرير حقوقي حديث، أن السياسات التي تتخذ من "أمن الحدود" ذريعة لترحيل الأطفال والنساء والمرضى هي "سياسات تنتهك القانون الدولي، وتعرض الدولة لمساءلة أخلاقية قبل أن تكون سياسية".

وتواجه الولايات المتحدة الآن مفترق طرق: فإما الاستمرار في سياسات الردع والترحيل التي عمّقتها إدارة ترامب، أو فتح صفحة جديدة تستند إلى الاعتراف بالمهاجرين كأشخاص لا كتهديدات.

ووفقًا لما نشره موقع "أكسوس"، فإن غالبية الأمريكيين -بمن فيهم المحافظون- باتوا يفضلون تنظيم الهجرة عبر مسارات قانونية ومنح فرص للتجنيس، بدلاً من التعامل معها كونها قضية أمن قومي.

وفي ختام تقريرها، كتبت "نيويورك تايمز" أن هذا التحول الشعبي، إن استمر، قد يفرض على صناع القرار -بمن فيهم ترامب- مراجعة خطاباتهم، "لأن ما كان ينفع في صناديق الاقتراع بالأمس، قد لا يحرك ضمير الناخبين اليوم".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية