فيضانات الهيمالايا تكشف عجز أنظمة الإنذار.. 100 مفقود وسط صدمة بشرية وبيئية

فيضانات الهيمالايا تكشف عجز أنظمة الإنذار.. 100 مفقود وسط صدمة بشرية وبيئية
آثار الفيضانات والانهيارات الطينية

في لحظة غير متوقعة، تحولت منطقة دهارالي السياحية في ولاية أوتاراخند شمال الهند إلى مسرح لكارثة طبيعية مفجعة، حيث اجتاحت فيضانات مفاجئة ناجمة عن انزلاقات طينية وأمطار غزيرة مفاجئة البلدة الجبلية، مخلّفة ما لا يقل عن أربعة قتلى ونحو 100 مفقود على الأقل.

وأظهرت مقاطع الفيديو المتداولة سيولاً جارفة من المياه الموحلة تبتلع المباني متعددة الطوابق وتجرّ معها كل ما يعترض طريقها من بشر وممتلكات، في مشهد يلخّص فشلًا ذريعًا في أنظمة الإنذار المبكر والتخطيط الحضري في المناطق الجبلية الحساسة.

ودفعت وزارة الدفاع في الهند بفرق من الجيش للبحث عن ناجين، وأكدت أن الانزلاق الطيني أدى إلى تدفّق مفاجئ للطمي والمياه، ما تسبب في عزل المنطقة وعرقلة الوصول إليها، وقد رُصدت كتل ضخمة من الطين تغطي مناطق واسعة من البلدة، وصلت حتى أسطح المنازل.

وعبّر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن "حزنه العميق" وأمر بتقديم كل أشكال الدعم للمتضررين، فيما أصدرت هيئة الأرصاد الجوية تحذيرًا باللون الأحمر للمنطقة بعد تسجيلها هطولًا مطريًا قياسيًا بلغ 21 سنتيمترًا في بعض المناطق خلال ساعات قليلة فقط.

أزمة تتجاوز الطبيعة

ليست هذه الفيضانات حدثًا معزولًا بل تشكل جزءًا من سلسلة من الكوارث المتكررة التي تشهدها مناطق جبال الهيمالايا خلال موسم الرياح الموسمية، والتي تمتد من يونيو حتى سبتمبر.

ووفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، فإن تغير المناخ أدى إلى "اضطراب دورة المياه على الكوكب"، ما يجعل الكوارث الطبيعية أكثر حدة، وأقل قابلية للتنبؤ. وهذا ما حدث تمامًا في دهارالي أمطار غزيرة مفاجئة، انزلاقات أرضية، وفقدان سريع للسيطرة.

وقال أحد مسؤولي إدارة الكوارث، إن "معظم السكان كانوا محظوظين لوجودهم في أماكن آمنة خلال مهرجان محلي"، وهو ما جنّب المنطقة كارثة كبرى، غير أن الواقع لا يزال مظلمًا، فعدد المفقودين كبير، والبحث عن ناجين صعب في ظل تعقيدات التضاريس وارتفاع منسوب الطين.

فقدان المأوى والأمان

لم تكن الخسائر مادية فقط. بل فقدت عشرات العائلات مأواها، وسط تقارير عن أطفال مفقودين، ومسنين محاصرين، وسكان أصيبوا بصدمة نفسية بسبب ما وصفه بعضهم بأنه "نهاية العالم".

الناشطة البيئية سومان رينا من مؤسسة ساتات سامبادا للمناخ قالت في تصريح صحفي: "نحن أمام كارثة بشرية ومناخية. الاحترار العالمي يزيد من شدة الأمطار، لكن الكارثة الكبرى أن سياسات البناء العشوائي وخنق الأنهار تدمّر دفاعاتنا الطبيعية".

هشاشة أنظمة الإنذار المبكر في الهند -خاصة في المناطق الجبلية- لم تعد مجرد ثغرة تقنية، بل تحوّلت إلى عامل مفاقِم للمآسي، فبينما تمتلك الدولة بنية تحتية تكنولوجية معتبرة، إلا أن الفجوة بين التنبؤ والاستجابة لا تزال واسعة، بحسب تقرير حديث صادر عن مركز أبحاث الأخطار المناخية في نيودلهي.

ويحذر الخبراء من أن "تكنولوجيا الرصد وحدها لا تكفي"، بل يجب أن تُربط بخطط إخلاء سريعة، وتوعية مجتمعية، وتخطيط عمراني مرن في مواجهة مخاطر الطبيعة المتزايدة.

موجات متكررة من الدمار

وفقًا للمجلس الهندي الوطني لإدارة الكوارث تتسبب الفيضانات والانهيارات الأرضية في مقتل أكثر من 1500 شخص سنويًا.

تضرّر أكثر من 20 مليون شخص سنويًا بفعل الكوارث الطبيعية المرتبطة بالرياح الموسمية.

وتُعد ولاية أوتاراخند من أكثر الولايات عرضة للكوارث المناخية في البلاد.

في تقرير للمنتدى الإنساني الدولي في عام 2024، أُدرجت الهند ضمن قائمة "النقاط الساخنة للكوارث المناخية" بسبب ضعف التخطيط وارتفاع الكثافة السكانية في مناطق خطرة.

سيناريوهات الخطر المتكرر

تعاني منطقة الهيمالايا من تاريخ طويل من الفيضانات المفاجئة، أبرزها كارثة فيضانات كيدارناث عام 2013 التي أودت بحياة أكثر من 5,700 شخص. وعلى الرغم من تلك المأساة، فإن التغيير في أنظمة الطوارئ ظلّ بطيئًا وغير شامل.

وتكرار هذه الكوارث خلال العقد الأخير -بما فيها فيضانات عام 2021 في ولاية أوتاراخند- يُظهر أن الهند، رغم تقدمها الاقتصادي، لا تزال غير قادرة على حماية مواطنيها في مناطق الكوارث.

ما حدث في دهارالي ليس مجرد حادث عرضي. إنه تحذير صارخ من أن التغير المناخي، مقرونًا بالتخطيط الحضري غير المدروس، يفتح الباب لكوارث تفوق قدرة الاستجابة الإنسانية والتقنية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية