ريتا كاراسارتوفا.. منشور على فيسبوك يضع الناشطة القيرغيزستانية في قفص الاتهام
ريتا كاراسارتوفا.. منشور على فيسبوك يضع الناشطة القيرغيزستانية في قفص الاتهام
في قلب بيشكيك عاصمة قيرغيزستان، تخوض ريتا كاراسارتوفا، البالغة من العمر 55 عامًا، معركة غير متكافئة ضد سلطة تحاول إسكات صوتها، لم يكن "ذنبها" سوى نشر رسالة لأحد المعارضين السياسيين على صفحتها في فيسبوك، لتجد نفسها اليوم في قفص الاتهام بتهم ثقيلة قد تسلبها عقدًا كاملًا من حياتها خلف القضبان.
كاراسارتوفا، المعروفة بدفاعها المستميت عن المظلومين وتقديمها الدعم القانوني المجاني للفقراء والمهمشين، تُحاكم اليوم بتهمة "تنظيم أعمال شغب جماعية" و"الدعوة إلى الاستيلاء على السلطة بالعنف"، وهي تهم تصل عقوبتها إلى السجن عشر سنوات، وفقًا للقانون الجنائي في قيرغيزستان.
“محاكمة مغلقة.. وعدالة غائبة”
منذ اعتقالها في 14 أبريل 2025، إثر مداهمة منزلها من قبل قوات الأمن، تعيش كاراسارتوفا في عزلة قاسية، ولم تُوجّه إليها التهم رسميًا إلا بعد ثلاثة أشهر، ومع ذلك صُنّفت قضيتها "سرية"، في خطوة حرمت فريق دفاعها من الاطلاع على ملف الأدلة.
بحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن هذه الإجراءات تنتهك صراحةً حقها في محاكمة عادلة بموجب القانون الدولي، وقد رُفعت جلسات محاكمتها مرتين بطلب من الادعاء، في مؤشر واضح، بحسب المنظمة، على أن ما يجري ليس سوى "محاكمة ذات دوافع سياسية" هدفها إسكات صوت معارض.
ريتا.. المرأة التي “أزعجت” السلطة
من خلف القضبان، كتبت ريتا رسالة مؤثرة بتاريخ 16 يوليو 2025 قالت فيها: "بعد اطلاعي على لائحة الاتهام، أدركت أن قضيتي لا ترتبط جوهريًا بقضية كورينوف، وأن الصلة الوحيدة هي نشر رسالته، فلماذا أجلس في الحبس الاحتياطي إذن؟ لأنني، بآرائي المعارضة، أبذل قصارى جهدي لتغيير السلطة في قيرغيزستان تدريجيًا، مجرد فكرة التغيير تُرعب من هم في السلطة".
هذا الصوت الصريح لامرأة خمسينية كرّست حياتها لمساعدة المستضعفين، يُظهر جوهر المعركة في قيرغيزستان بين صراع بين سلطة تخشى النقد، ومجتمع مدني يحاول انتزاع مساحة للحرية.
رسالة أطلقت شرارة القمع
بدأت فصول القضية حين نشرت كاراسارتوفا رسالة من المعارض تيلكمات كورينوف، كتب فيها أنه سلّم الرسالة لعائلته لنشرها إذا انقطعت أخباره، وبالفعل، بعد أيام من انقطاع اتصالاته، نشرت ريتا الرسالة، ليظهر لاحقًا أن السلطات القرغيزية كانت قد أعادته قسرًا من الخارج، ووجهت إليه تهماً مشابهة.
بالنسبة للسلطات، كانت مجرد مشاركة هذه الرسالة كافية لاتهام ريتا بأنها متورطة في "مؤامرة للاستيلاء على السلطة"، لكن منظمات حقوقية ترى في الأمر محاولة انتقامية لإسكات واحدة من أبرز الأصوات المعارضة في قيرغيزستان.
ليست القضية الأولى
ليست هذه المرة الأولى التي تجد فيها ريتا نفسها في مواجهة القضاء، ففي عام 2024، وُضعت ضمن قائمة من نشطاء وصحفيين وسياسيين على خلفية ما عُرف بقضية "كيمبير-آباد"، حين عارضت السلطات نقل خزان مياه استراتيجي إلى أوزبكستان.
ورغم أن المحكمة المحلية برّأت جميع المتهمين، بينهم ريتا، إلا أن النيابة العامة استأنفت الحكم، لتبقى القضية مفتوحة.
ردود الفعل الحقوقية والدولية
أثارت محاكمة ريتا موجة انتقادات محلية ودولية، قالت سينات سلطانالييفا، باحثة شؤون آسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش: "إن محاكمة ريتا كاراسارتوفا ستبعث برسالة مخيفة إلى المدافعين الآخرين عن حقوق الإنسان في قيرغيزستان، ينبغي على السلطات وقف هذه المحاكمة التعسفية والإفراج عنها فورًا".
كما دعت المنظمة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة إلى الضغط على الحكومة القرغيزية، محذرة من أن استمرار القيود المفروضة على المجتمع المدني والقضاء سيؤثر سلبًا على علاقات قيرغيزستان الدولية.
محاكمة “تخالف المعايير”
وفقًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه قيرغيزستان، يحق لكل متهم: الاطلاع الكامل على ملف قضيته، ومحاكمة علنية أمام هيئة قضائية مستقلة، والتواصل مع محاميه بحرية، إلا أن جميع هذه الحقوق تم تجاهلها في حالة كاراسارتوفا حيث كانت المحاكمة مغلقة، والدفاع محروم من نسخة من ملف الأدلة، والتأجيلات المستمرة تُظهر غياب النية في إنصافها. بحسب هيومن رايتس ووتش.