حماية حقوق صغار المزارعين في الأمازون.. صراع الأرض والغابة والعدالة

حماية حقوق صغار المزارعين في الأمازون.. صراع الأرض والغابة والعدالة
منطقة الأمازون البرازيلية

في عمق غابات الأمازون البرازيلية، حيث تلتقي البيئة بالإنسان، يخوض صغار المزارعين معركة بقاء على أرضهم وكرامتهم، القضية هنا ليست مجرد نزاع على مساحات زراعية، بل اختبار لقدرة الدولة البرازيلية والمجتمع الدولي على حماية حقوق الفئات الهشة أمام تصاعد نفوذ مافيات الأراضي، وإصرار المستثمرين غير الشرعيين على تحويل الغابات إلى مراعٍ للماشية على حساب السكان الأصليين والمزارعين الصغار.

الأمازون في قلب الصراع على الأرض

منذ سبعينيات القرن الماضي، تحولت غابات الأمازون إلى ساحة مفتوحة أمام مشاريع التنمية العشوائية، مدفوعة ببرامج حكومية شجعت الهجرة الداخلية واستصلاح الأراضي، وعلى الرغم من إطلاق برامج إصلاح الأراضي وتخصيص مستوطنات للتنمية المستدامة مثل مستوطنة، "تيرا نوسا" ظل صغار المزارعين في مواجهة ضغوط متزايدة من مجموعات مصالح اقتصادية، وعمليات استيلاء على الأراضي غير الشرعية، وأعمال عنف موثقة على مدى عقود.

مستوطنة “تيرا نوسا”

أنشأ المعهد الوطني للاستيطان وإصلاح الأراضي (INCRA) مستوطنة "تيرا نوسا" بمساحة 150 ألف هكتار، بهدف توفير مساكن وأراضٍ لما يقرب من ألف عائلة زراعية. الفكرة كانت تقوم على نموذج يجمع بين الزراعة الصغيرة وإدارة الغابات المستدامة عبر أنشطة مثل جمع المكسرات والفواكه.

لكن بدلاً من أن تصبح تيرا نوسا نموذجًا تنمويًا، تحولت إلى بؤرة للفوضى: فقد تم توزيع 298 قطعة أرض فقط  على المزارعين الشرعيين، و117 ألف هكتار، أي نحو 80% من المساحة، احتلها 77 شخصًا بطرق غير قانونية، وبين عامي 2021 و2024 فقدت المنطقة 7700 هكتار من الغابات (5% من مساحتها)، كما دمرت حرائق متعمدة في 2023 محاصيل المزارعين، في محاولة لدفعهم إلى مغادرة أراضيهم.

تصاعد العنف

وثّقت هيومن رايتس ووتش في تقرير 2019 جرائم قتل استهدفت أشخاصًا حاولوا التنديد بقطع الأشجار غير القانوني في الأمازون، حيث قُتل اثنان واختفى ثالث يُعتقد أنه لقي المصير ذاته، في حين اغتيل شقيق أحد الضحايا أثناء تحقيقه في الجريمة، وفق المنظمة الحقوقية هذه الحوادث ليست معزولة، بل جزء من نمط واسع من العنف ضد المدافعين عن الأرض والبيئة في البرازيل، التي تُعد من أخطر الدول في العالم على النشطاء البيئيين.

القرار المثير للجدل: نحو تقليص مساحة تيرا نوسا

يبحث المعهد الوطني للاستيطان (INCRA) مقترحًا لتقليص مساحة تيرا نوسا إلى 80 ألف هكتار، أي بخسارة نصف مساحتها تقريبًا، ويشمل التقليص مناطق محتلة بشكل غير قانوني تقدر بـ 16,800 هكتار، ووفقًا لهيومن رايتس ووتش، فإن هذه الخطوة تمثل مكافأة صريحة للمحتلين غير الشرعيين، وتهديدًا مباشرًا للسكان الشرعيين، وإشارة مقلقة إلى أن الدولة قد ترضخ لسياسات فرض الأمر الواقع.

القضاء يدخل على الخط

في مارس 2025، رفع المدعون الفيدراليون دعوى قضائية لإجبار INCRA على إخلاء الأراضي من المحتلين غير الشرعيين، وأكدت الوكالة أنها أنهت 37 إجراءً إداريًا يغطي نحو 79 ألف هكتار (52% من المساحة)، وأحالتها إلى مكتب المدعي العام لطلب أوامر قضائية بالإخلاء، غير أن البطء في التنفيذ يتيح للمحتلين فرصة لتعزيز مواقعهم، ويزيد من المخاطر الأمنية على المزارعين الصغار.

الأبعاد البيئية: خسارة الغابات تعني خسارة الكوكب

الأمازون ليست مجرد قضية برازيلية، بل هي رئة للعالم. وفقًا لبيانات منظمة Mapbiomas، تسببت الأنشطة غير القانونية في تيرا نوسا بخسائر غابية تتجاوز 7700 هكتار خلال ثلاث سنوات فقط، ومع كل هكتار يُزال يقترب العالم خطوة من فقدان أحد أهم مخازن الكربون الطبيعي، إن تدمير الغابات لصالح مزارع الماشية يفاقم أزمة المناخ العالمية، ويضرب بوعود البرازيل البيئية عرض الحائط.

أصوات المنظمات الحقوقية والدولية

هيومن رايتس ووتش طالبت برفض التقليص وإخلاء المستوطنة من المحتلين فورًا، كما أكدت الأمم المتحدة مرارًا أن الدفاع عن المدافعين عن البيئة واجب دولي، واعتبرت الهجمات ضد صغار المزارعين خرقًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وشددت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في تقاريرها على أن صغار المزارعين يشكلون العمود الفقري للأمن الغذائي المحلي، وأن حرمانهم من أراضيهم يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

القانون الدولي: حقوق الأرض والكرامة

القانون الدولي لحقوق الإنسان يحمي حق الأفراد في السكن والعمل والعيش بكرامة، فالإعلان الأممي بشأن حقوق الفلاحين (2018) يضمن للمزارعين الصغار الحق في الوصول إلى الأرض والموارد، ويحظر طردهم بشكل تعسفي. كما يُجرّم نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التهجير القسري والعنف ضد المدنيين باعتبارهما جرائم ضد الإنسانية.

تجربة تيرا نوسا ليست معزولة. أي تنازل عن حماية حقوق صغار المزارعين سيخلق سابقة خطيرة تُشجع المحتلين على تكرار السيناريو في مستوطنات أخرى بالأمازون، وفي المقابل، تطبيق القانون وإعادة الأراضي إلى أصحابها الشرعيين قد يرسل رسالة واضحة مفادها أن سيادة القانون فوق المصالح الضيقة، وأن التنمية المستدامة لا تتحقق على أنقاض حقوق الإنسان.

قضية تيرا نوسا تعكس معاناة آلاف العائلات في الأمازون في صراع غير متكافئ بين مزارعين فقراء يحلمون بمستقبل آمن لأطفالهم، ومصالح اقتصادية ضخمة ترى في الغابة مجرد مورد للاستغلال.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية