أزمة بأسواق إعادة التأمين.. صناديق التحوط تهدد الضمانات الإنسانية في مواجهة الكوارث

أزمة بأسواق إعادة التأمين.. صناديق التحوط تهدد الضمانات الإنسانية في مواجهة الكوارث
فيضانات تكساس- صورة أرشيفية

أخذت العلاقة بين رأس المال الخاص وقطاع التأمين على الكوارث في السنوات الأخيرة، أبعادًا جديدة أثارت قلقًا متزايدًا داخل الصناعة نفسها، حيث قالت مجموعة "ميونيخ ري"، إحدى أكبر شركات إعادة التأمين في العالم، إن دخول صناديق التحوط ورأس المال الخاص إلى سوق الحماية من الكوارث لم يعد مجرد إضافة مالية، بل تحول إلى عامل تهديد لفعالية النظام بأكمله.

وكما ذكرت صحيفة "فايننشيال تايمز"، حذرت "ميونيخ ري" من أن تصاعد دور هذه الصناديق يضاعف المخاطر على قدرة المجتمعات في مواجهة الكوارث الطبيعية، من فيضانات وأعاصير وحرائق غابات وزلازل، فبينما يُفترض أن يكون قطاع التأمين درعًا وقائيًا، بات يتعرض لما يشبه "التجريف المالي" الذي يهدد استقراره على المدى الطويل.

وأوضحت "فايننشيال تايمز" أن المستثمرين من صناديق التحوط ورأس المال الخاص تدفقوا إلى هذا القطاع عبر أدوات مالية تعرف باسم الأوراق المالية المرتبطة بالتأمين (ILS)، والتي تتيح تحويل المخاطر الكارثية إلى أصول قابلة للتداول في الأسواق، وقد قدمت هذه الأدوات في البداية كوسيلة مبتكرة لتوزيع المخاطر، لكنها مع مرور الوقت أصبحت قناة أساسية لهيمنة رؤوس الأموال الباحثة عن عوائد مرتفعة.

لكن ميونيخ ري، رأت أن هذا التحول يحمل تداعيات مقلقة: فبينما كان الهدف من التأمين إعادة توزيع الخسائر وحماية المجتمعات، فإن تغوّل رأس المال الخاص يخلق ديناميكيات قد تُضعف التغطية بدلًا من تعزيزها.

وحذرت ميونيخ ري، من أن اندفاع المستثمرين الذين يبحثون عن أرباح سريعة قد يزعزع استقرار السوق، حيث يمكن أن تتراجع قدرتهم على تحمّل الخسائر عند وقوع كارثة ضخمة فعلية، هذا يعني أن الأنظمة المصممة لتأمين ملايين البشر قد تتعرض فجأة لهزات تجعلها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها.

وأكدت الشركة أن مخاطر التغير المناخي –من حرائق غابات متزايدة في كاليفورنيا إلى أعاصير أكثر تدميرًا في الكاريبي– تفرض تحديات هائلة بالفعل، وأن دخول رؤوس الأموال الخاصة بهذا الحجم قد يجعل الوضع أكثر هشاشة بدلًا من أن يكون سندًا إضافيًا.

لويدز لندن

لم يقتصر الأمر على تحذيرات ميونيخ ري وحدها، ففي تقرير آخر نقلته فايننشيال تايمز، كشفت الصحيفة عن أن منصة لويدز لندن، التي تعد من أعرق أسواق التأمين في العالم، تشهد هي الأخرى تدفقًا واسعًا من صناديق التحوط والاستثمار الخاص.

وبحسب التقرير الذي نشر يناير الماضي، اجتذبت لويدز استثمارات بمليارات الدولارات من هذه الصناديق عبر قنوات متعددة، أبرزها أدواتILS نفسها، وبدلًا من أن يقتصر نشاطها على المستثمرين التقليديين في قطاع التأمين، أصبحت ساحة مفتوحة أمام رأس المال الباحث عن فرص مضاربة.

يعكس هذا التوسع اتجاهًا عالميًا يتجاوز حدود السوق البريطاني، إذ باتت المؤسسات المالية الكبرى ترى في الكوارث الطبيعية مجالًا مربحًا للاستثمار، متجاهلة في كثير من الأحيان الطابع الإنساني لهذه التغطيات.

جدل حول الاستدامة والحقوق

المخاوف التي عبّرت عنها ميونيخ ري، والممارسات التي تشهدها لويدز، تضع قضية الحماية من الكوارث في قلب جدل عالمي، فبينما تتزايد الكوارث بفعل تغيّر المناخ، يحتاج الأفراد والمجتمعات إلى ضمانات أكثر صلابة، لكن الاتجاه الحالي يحوّل هذه الضمانات إلى رهينة بيد منطق الربح المالي.

وكما أبرزت فايننشيال تايمز، فإن السؤال الجوهري هو: هل يمكن الاعتماد على صناديق التحوط لتأمين الحق في الحماية من الكوارث؟ أم أن اعتماد الصناعة على هذه الأموال قد يفتح الباب أمام أزمات أكبر في المستقبل؟

ويشير التقرير إلى أن التغطية التأمينية للكوارث ليست مجرد مسألة مالية أو تقنية، بل هي قضية حقوقية في جوهرها، تتعلق بحق الأفراد في التعويض السريع والفعال عند فقدان منازلهم أو مصادر رزقهم، لكن عندما تصبح هذه التغطية خاضعة لتقلبات الأسواق المالية، فإن المجتمعات الأكثر ضعفًا هي التي تتحمل الثمن الأكبر.

ففي حالة وقوع كارثة ضخمة، إذا انسحب المستثمرون أو عجزوا عن الوفاء بالتزاماتهم، فإن النتيجة ستكون فجوة إنسانية هائلة: ملايين المتضررين دون غطاء أو دعم فعّال.

هذا السيناريو، كما حذرت ميونيخ ري، لم يعد احتمالًا بعيدًا بل واقعًا قائمًا في ظل مسار السوق الحالي.

دروس من التاريخ

أعادت الصحيفة التذكير بأن دخول رأس المال الخاص إلى صناعة التأمين على الكوارث ليس ظاهرة جديدة تمامًا، فقد ظهرت موجاته الأولى بعد الكوارث الكبرى في التسعينيات، مثل إعصار "أندرو" في الولايات المتحدة، لكن الفارق اليوم يكمن في الحجم غير المسبوق للتدفقات المالية، وفي سرعة تحركها داخل السوق وخارجه تبعًا لتقلبات العوائد.

ويزيد هذا هشاشة النظام بدلًا من أن يعزز متانته، فالاستثمارات التي تدخل بسرعة بحثًا عن الأرباح يمكن أن تخرج بالسرعة نفسها عندما ترتفع الخسائر، تاركة فراغًا يهدد استقرار النظام بأكمله.

وخلصت فايننشيال تايمز إلى أن المشهد الحالي يفرض على صناع القرار والمنظمين التفكير في كيفية إعادة التوازن إلى قطاع التأمين على الكوارث، فالمطلوب هو ضمان استمرار الحماية بوصفها حقًا عامًا، لا مجرد أصل مالي قابل للتداول.

وإذا لم يُعالج هذا الخلل، فإن التوسع غير المنضبط لصناديق التحوط ورأس المال الخاص قد يحوّل قطاع التأمين على الكوارث من شبكة أمان للمجتمعات إلى أداة مضاربة تعمّق هشاشة النظام العالمي في مواجهة الكوارث.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية