شركات التأمين تنسحب من مناطق الخطر المناخي.. والفقراء يدفعون الثمن

شركات التأمين تنسحب من مناطق الخطر المناخي.. والفقراء يدفعون الثمن
مناطق الخطر المناخي - أرشيف

في ظل تصاعد الكوارث الطبيعية حول العالم نتيجة تغيّر المناخ، تتجه شركات التأمين إلى الانسحاب التدريجي من المشهد، وتنقل الأخطار إلى أدوات مالية جاذبة للمستثمرين، تاركة ملايين البشر، لا سيما من ذوي الدخل المحدود، في مواجهة مباشرة مع الخطر، دون حماية أو تعويض.

وأشارت صحيفة "فايننشيال تايمز" في تقرير نُشر، اليوم الثلاثاء، إلى أن مبيعات ما يُعرف بـ"سندات الكوارث" بلغت 18.1 مليار دولار منذ بداية العام، متجاوزة الرقم القياسي السابق لعام 2024 الذي بلغ 17.7 مليار دولار.

تُستخدم هذه السندات لتحويل جزء من المخاطر المناخية، كالأعاصير والزلازل وحرائق الغابات، من شركات التأمين إلى المستثمرين الباحثين عن عوائد مرتفعة.

وصرّح الرئيس التنفيذي لشركة "أون للأوراق المالية" ريتشارد بيناي: "ليس أمام شركات التأمين خيار سوى التخلص من المخاطر المتزايدة، وهم يفعلون ذلك في سوق سندات الكوارث".

وأفاد تقرير الصحيفة أن شركات مثل "ستيت فارم" و"سيتيزنز"، المدعومة من ولاية فلوريدا، لجأت إلى هذه السندات لمواجهة تصاعد الكوارث، في حين ارتفعت أرباح المستثمرين بنسبة 14% خلال عام واحد، وأكثر من 50% خلال خمس سنوات.

لكن ما يُعد ربحًا في بورصة نيويورك، يُترجم على الأرض إلى انسحاب فعلي من توفير التأمين في المناطق الأكثر عرضة للخطر.

ملايين الأمريكيين دون تغطية

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، في تقرير نُشر في 9 يوليو، أن أكثر من 1.9 مليون عقد تأمين منزلي تم إلغاؤه أو عدم تجديده في الولايات المتحدة منذ عام 2018، في ظل تفاقم الكوارث المناخية.

وتعرضت حالات مثل ريتشارد زيميل في نيو مكسيكو للإلغاء رغم اتخاذ كل إجراءات الحماية من حرائق الغابات، وجاء في رسالة شركته التأمينية: "العقار يقع في منطقة لم تعد تفي بالمعايير الدنيا لمخاطر حرائق الغابات".

علّق السيناتور شيلدون وايتهاوس، رئيس لجنة الميزانية في مجلس الشيوخ الأمريكي، على الظاهرة بقوله: "هذه ليست فقط قضية بيئية.. بل أزمة اقتصادية حقيقية تصل إلى أبواب منازل الناس، عبر رسائل إلغاء التأمين".

ومن جانبها، كشفت "واشنطن بوست"، في تقرير نُشر يوم 12 يوليو الجاري، أن موجة الانسحاب لا تقتصر على كاليفورنيا، فقد ارتفعت إشعارات عدم التجديد بنسبة 30% خلال أربع سنوات، وشملت ولايات مثل فلوريدا، لويزيانا، وكارولاينا الشمالية، التي تواجه أعاصير متكررة وحرائق غابات.

وتظهر البيانات الفيدرالية أن المناطق ذات الأخطار المناخية العليا سجلت معدلات إلغاء كبرى بنسبة 80% مقارنة بالمناطق الأخرى، كما ارتفعت أقساط التأمين بنسبة 33% خلال الفترة من 2020 إلى 2023، ما دفع آلاف الأسر للتخلي عن التغطية التأمينية نهائيًا.

يرى رئيس قسم أبحاث الآثار المناخية في مؤسسة فيرست ستريت، جيريمي بورتر: "نماذج التسعير الحالية أصبحت قديمة.. عواصف اليوم أقسى من أي وقت مضى، والمواطنون هم من يتحملون الفاتورة".

أزمة عدالة مناخية

لا يمس هذا التحول الجذري في قطاع التأمين فقط الاستقرار المالي للأسر، بل يهدد حق الإنسان في السكن والحماية، فالتأمين على المنزل ليس رفاهية، بل هو شرط للحصول على قروض عقارية، ومن دونه لا يستطيع ملايين الأمريكيين شراء منازل، أو الحفاظ على ما يملكون.

ويعد الأمر الخطِر أن هذا التراجع يحدث في صمت مؤسساتي، دون تدخل فعال من الدولة، تاركًا المواطنين في مواجهة الأسواق المالية التي تُعيد تعريف من يستحق الحماية، وفقًا لمعيار الربحية فقط.

وينصح خبراء حقوق الإنسان بفرض لوائح تنظيمية تُلزم شركات التأمين بالاستمرار في تقديم التغطية في المناطق عالية الخطورة، خصوصًا للفئات الضعيفة، وإنشاء آليات دعم حكومية لتعويض الأفراد عن إلغاء وثائق التأمين غير المبرر، وإجراء إصلاح شامل لأسواق التأمين يأخذ في الحسبان العدالة المناخية وحق الإنسان في المسكن الآمن، وأخيرِا تشديد الرقابة على أدوات التمويل المرتبطة بالكوارث، وضمان ألا تتحول إلى أدوات مضاربة تزيد من تهميش الفقراء.

وأصبحت أزمة التأمين على المنازل إحدى أبرز تجليات الظلم المناخي، إذ يُترك من يعيش في الخطوط الأمامية للكوارث بلا حماية أو تعويض، في حين تتكدس الأرباح في أيدي المستثمرين، ما يحدث ليس فقط اختلالًا في السوق، بل فشل في حماية الحقوق الأساسية للإنسان، في ظل عالم تزداد فيه الكوارث وتقل فيه المسؤولية.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية