إسكات المعارضة.. كيف يهدد استهداف المدافعين عن الحقوق الحيز المدني في زيمبابوي؟

إسكات المعارضة.. كيف يهدد استهداف المدافعين عن الحقوق الحيز المدني في زيمبابوي؟
قمع المعارضة في زيمبابوي

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن قضية الناشطين الثلاثة في هراري الذين أُخِذوا قسراً من طائرة في 31 يوليو 2024 ثم حُكم عليهم بالمواجهات القضائية لمدة عام قبل أن تبرئهم محكمة صلح في 21 أغسطس المنقضي، لم تكن حادثة معزولة، إذ سلطت الضوء على نمط متكرر من استخدام جهاز العدالة الجنائية في زيمبابوي أداة لقمع الأصوات النقدية والمعارضة، ودفعت منظمات حقوقية وأممية إلى مطالبة السلطات بوقف الملاحقات السياسية فوراً. 

الحادثة بدأت باعتقال الناشطين روبسون تشيري وناماتاي كويكويزا وصمويل غوينزي عندما نزّلوهم من طائرة قبل إقلاعها واحتُجزوا انفرادياً لساعات، ثم اتهموا بالمشاركة في احتجاجٍ مزعوم، ومنذ لحظة الاعتقال أفاد محامون بشهادات عن ضرب وتعذيب، وامتنع المسؤولون عن منح حقوق احتجازٍ قانوني واضحة أو إتاحة وصول فوري للرعاية الطبية، ومثل هذه الإجراءات لا تُشير إلى تحقيق جنائي حيادي بقدر ما تبدو آلية لإرباك وتحويل النشطاء عن عملهم المدني في زيمبابوي وفق المنظمة الحقوقية الدولية.

سنة من المحاكمات

خلال المحاكمة قدّم دفاع الناشطين أدلة طبية ونفسية توثق إصاباتٍ وتوقيفات تعسفية، ووصف المحامون حالات إصابات بالأنسجة الرخوة ورفضاً أولياً لمنح الكفالة، ما دفع بالمدافعين عن الحقوق إلى القول إن الإجراءات القضائية استُخدمت لتطويل أمد الاحتجاز وفرض ضغطٍ نفسي وجسدي على المدافعين عن الحريات. وبعد عام كامل من الإجراءات خرج الثلاثة مبرئين، لكن محاميهم ومنظمات حقوق الإنسان اعتبروا أن العدالة جاءت متأخرة وأن الأثر النفسي والجسدي للاحتجاز يظل عاراً على سجل الدولة. 

هيومن رايتس ووتش وسائر المنظمات الدولية ربطت هذه الممارسات بنمط أوسع من قمع المعارضة في زمن إدارة الرئيس إيمرسون منانغاغوا الذي تولى السلطة عام 2017، تقارير متلاحقة وثّقت حملات توقيف موجهة لأعضاء أحزاب المعارضة ونشطاء المجتمع المدني وطلبة الجامعات، إضافة إلى سجلات عن تعرض بعض المعتقلين للتعذيب أو سوء المعاملة.

ودعت منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة كذلك إلى التوقف عن هذه الممارسات وطلبوا إطلاق سراح المحتجزين تعسفياً والتحقيق في شكاوى التعذيب، وتشكل هذه التحذيرات الدولية إدانة واضحة لطبيعة الملاحقات، وتضع زيمبابوي تحت مراقبة حقوقية مشددة بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية.

ردود هيئات أممية

المقررون الخاصون للأمم المتحدة وخبراء حقوقيون عبروا عن قلق شديد إزاء ما وصفوه باستخدام تهم من قبيل "الإخلال بالنظام العام" أو "التحريض" ذريعة لملاحقة الأصوات المنتقدة والمعارضة في زيمبابوي، وطالبت دعواتٌ أممية بمنح المدافعين عن الحقوق والسجناء السياسيين ضمانات إجراءات قانونية معيارية، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة والحق في الإفراج بكفالة وإتاحة الفحص الطبي المستقل، كما طلبت من الحكومة الوفاء بالتزاماتها الدولية نحو حماية المدافعين عن حقوق الإنسان دون تعرّضهم للترهيب أو العقاب. 

تفعيل أجهزة الأمن والقضاء ضد المعارضة أدى إلى تشديد مساحة الحريات العامة، وباتت الاحتجاجات السلمية عرضة للتفكيك السريع والاعتقال، والجمعيات الحقوقية تعمل الآن ضمن قيود أكبر وخشية دائمة من حملات اعتقال، ويمتد التأثير إلى الحياة السياسية، إذ تُضعف الملاحقات ثقة المواطنين بالمؤسسات القضائية وتقلص هامش النقاش العام، ما يضعف رقابة المجتمع المدني ويُعرّض العملية الديمقراطية إلى احتقان مستمر، وتشير  تقارير ميدانية إلى أن أكثر من مئة وستين ناشطاً ومؤسسياً مدنياً أوقفوا في موجات قمع سابقة. 

الإطار القانوني الدولي

زيمبابوي طرف في عدد من المعاهدات الدولية التي تضمن حقوقاً أساسية للمدافعين عن الحقوق والمحتجزين، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وهذه الصكوك تلزم الدولة بضمان حقوق المتهمين في محاكمة عادلة، ومنع التعذيب، وحماية حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وعلى ضوء هذه الالتزامات، تطالب هيئات أممية وخبراء بمراجعة فورية للإجراءات الوطنية التي تُستخدم لقمع الأصوات المعارضة والتأكد من أن أجهزة الأمن تحترم المعايير الدولية. 

تركّز توصيات منظمات حقوق الإنسان على ثلاث نقاط عملية تتمثل في إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة، ضمان مساءلة أي عنصر أمنى أو قضائي ثبت تورطه في ممارسات تعسفية، وإطلاق سراح المحتجزين لأسباب سياسية أو إسقاط التهم الموجهة إليهم، وتطالب المنظمات أيضاً بتوفير ضمانات قانونية حقيقية لحرية الفعل المدني، وحماية المدافعين عن الحقوق، وإصلاح مؤسسات العدالة لتكون قادرة على مقاومة التعسف السياسي. 

عقود من التوتر

خلفية الأزمة تعود إلى عقود من التوتر بين قوى الدولة والمجتمع المدني في زيمبابوي، فبعد عقود من حكم حزب واحد وإجراءات قمعية إبان حقبة ما بعد الاستقلال، تأرجحت البلاد بين وعود الإصلاح والتراجع العملي، ومنذ عام 2017، ومع صعود إدارة منانغاغوا، تصاعدت مخاوف من تدخّل الدولة في مفاصل القضاء وأجهزة الأمن، ما أعاد إلى الأذهان فترات سابقة شهدت تقييد الحريات وملاحقات للمعارضين.

وبحسب "هيومن رايتس ووتش" هذا السجل التاريخي يعطي المدافعين عن الحقوق إطاراً لفهم آليات القمع الحالية، لكنه لا يغيّب الحاجة الملحّة لإجراءات إصلاحية حقيقية. 

تبرئة الناشطين الثلاثة تمثل نجاحاً مؤقتاً لنظام المحاكم لكنها لا تُعالج الجذور الحقيقية وقد دعت المنظمات الحقوقية والأمم المتحدة مراراً إلى وقف الملاحقات السياسية وتحقيق إصلاح قضائي، ومحاسبة المتورطين وإعادة بناء ثقة المواطنين في مؤسسات العدالة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية