وسط احتجاجات متزايدة.. انقطاع الكهرباء المتكرر في إيران يفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية
وسط احتجاجات متزايدة.. انقطاع الكهرباء المتكرر في إيران يفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية
في مطلع الصيف وجد سعيد، صاحب مطعم بيتزا في شمال طهران، نفسه عاجزاً أمام انقطاع متكرر للكهرباء في ذروة تقديم وجبات الغداء، يقول سعيد: “تنخفض الطلبات بشدة... كهرباء تنقطع في أوقات غير متوقعة.. الأمر يبدو وكأنه حرب بلا ضوء”.
المأساة لا تقتصر على صاحب مطعم فقط، بل تمتد إلى القطاعات التجارية الصغيرة من ملاحم، مخابز، محلات حلويات، وحتى الجزّارين، حيث لا تبرد منتجات كافية في البرادات، وتفسد بسرعة في درجات حرارة قد تؤدي إلى غلق المحلات، وتحمّل تجار كلفة باهظة على نحو لا يُطاق.
في الأحياء الشعبية، بات انقطاع الكهرباء يعني انقطاع الإنترنت والماء، وفق ما نشرته "فرانس برس" الأربعاء، وهو ما يؤدي إلى أعمال يومية معلقة واستياء متصاعد، خصوصاً مع تسجيل درجات حرارة تجاوزت الأربعين في العاصمة، وخمسين في بعض المناطق الجنوبية.
جذور الأزمة
وفق بيانات حيوية، فإن 94 ألف ميغاوات هي قدرة التوليد الاسمية، لكن المتوفرة فعلياً تبلغ فقط نحو 62 ألف ميغاوات بسبب تقادم المحطات ونقص الوقود، في ظل فجوة تقدر بـ 20 ألف ميغاوات والإنتاج السنوي لا يرتفع بنسبة أكبر من 2 في المئة، في حين يزداد الطلب بمعدل نحو 5.5 في المئة سنوياً وفق "إیران إنترناشونال".
نحو 11–13 في المئة من الكهرباء تضيع أثناء النقل بسبب شبكات متقادمة، ويتم الاعتماد شبه التام على الوقود الأحفوري (أكثر من 90 في المئة من التوليد)، ولا تشكل الطاقة المتجددة أو النووية إلا جزءاً ضئيلاً للغاية.
أسباب أخرى تضاف إلى عبء التردّي منها تهريب واسع للوقود المدعوم يقدر بنحو 1.5 مليار لتر سنوياً، ما يقلص المعروض داخل البلاد، كذلك انتقال ملكية العديد من محطات التوليد إلى كيانات خاصة أو متنفذة لم يصاحبه استثمار فعلي في صيانة أو تحديث.
الاقتصاد يعاني
تأثرت قطاعات مثل الصلب، الإسمنت، الغذاء، والبتروكيماويات بسبب الانقطاعات المتكررة، ما يفاقم البطالة ويقلّص إنتاجية الصناعة، كما تراجعت أرباح المطاعم والمحلات الخلوية نتيجة خسارة منتجات سريعة التلف وتوقف المبيعات عبر الإنترنت، كما أن المصارف والمصالح الحكومية تُغلق أو تقلّص ساعات العمل، وحتى المدارس تنتقل للتعلُّم عن بُعد نتيجة انقطاع الكهرباء، وتقدر الخسائر الماديّة التراكمية بمليارات الدولارات سنوياً، فضلاً عن استنزاف موارد الدولة في شراء الوقود بأسعار باهظة.
الاستياء الشعبي بلغ ذروته داخل المدن ففي بعض المناطق، شهدت الشوارع مظاهرات ضد الحكومة بسبب انقطاع الكهرباء، وعدم انتظام توزيع التحميل الخفيف في العاصمة، حيث يبدو أن الأحياء الراقية تُستثنى من انقطاع التيّار، في حين يعاني الفقراء.
في أغسطس المنقضي اندلعت موجة احتجاجات شعبية في عدة مدن بسبب انقطاعات الكهرباء وعدم دفع الأجور، ورُفعت شعارات ضد المؤسسة الحاكمة، ولا سيما في المنطقة الصناعية بـكاراج، كما طالب الخبازون في مدن عدة بتعديل أسعار الخبز وسداد الدعم المتأخر، معتبرين أن الانقطاع غير منتظم كسر روتين حياتهم.
شكوى حقوقية
المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تعتبر انقطاع الكهرباء أداة قمع لا مجرد فشل تقني، فقد حذر مركز حقوق الإنسان الدولي من استخدام الانقطاع المتعمد للإنترنت وسيلة لقمع المدنيين وأطاحت بشبكة المعلومات الوطنية.
منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش والمنظمات التابعة لهيئة الأمم المتحدة تسجّل أن الأزمات المتراكمة -بما في ذلك الطاقة والماء- تزيد من التهميش، وتقوّض الحق في الحياة الكريمة، كما تدعو إلى مساءلة المسؤولين عن الفشل في تلبية الاحتياجات الأساسية.
وبحسب الأمم المتحدة فإن الوصول إلى الكهرباء ليس مجرد مسألة ملاءمة، بل هو حق أساسي من حقوق الإنسان، وهذا الحق يسهم بشكل مباشر في تعزيز النمو الاقتصادي، وتحسين قطاع التعليم، ودعم الرعاية الصحية، فضلاً عن المساهمة في تعزيز المساواة بين الجنسين.
القانون الدولي والتنمية
وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، فإن توفير الأفعال الأساسية مثل الطاقة والماء يعد جزءاً من الحق في مستوى معيشي لائق، لم يخلُ ميثاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وانتشار أهداف التنمية المستدامة (SDGs) من ضرورة الوصول إلى طاقة نظيفة وبأسعار معقولة (الهدف السابع)، وكذلك ضمان العدالة الاجتماعية، بما في ذلك البنية التحتية المقومة.
هكذا، فإن ما يحدث في إيران يمثل إخلالاً بهذه الالتزامات، وقد يستدعي مساءلة دولية أو ضغوطاً من مؤسسات التمويل والتنمية.
وفق آراء اقتصادية فإن الأزمة ليست وليدة العواصف الحالية ولا العقوبات فقط، بل تعود جذورها إلى انهيار التحديث الهيكلي منذ الثورة الإيرانية، وتوقف الاستثمار في البنى التحتية.
أزمة الكهرباء في إيران تجسّد خيبة موصوفة بين موارد هائلة وأداء حكومي متردٍّ، هي ليست مجرد فصل بلا إنارة، بل أزمة تتغلغل ضمن تفاصيل حياة الناس، وتسحق أحلام العاملين والطلاب وأرباب الأعمال الصغيرة.
ولحل هذه الأزمة لا بد من إعادة هيكلة قطاع الطاقة من خلال تحديث الشبكات، وتقليل الهدر، وتنويع مصادر الطاقة (متجددة، نووية، كفاءة أعلى)، ومكافحة التهريب والفساد بشفافية حقيقية، مع وضع السياسات الشاملة التي تأخذ في الحسبان الفئات الضعيفة وتوزع العبء بعدل لا تمييز، إلى جانب مساءلة وتمكين المجتمع المدني وفتح سبل الحوار.










