منصة رمزية للعدالة.. المحكمة الشعبية تكشف جرائم طالبان ضد النساء
منصة رمزية للعدالة.. المحكمة الشعبية تكشف جرائم طالبان ضد النساء
تشكل المحكمة الشعبية واحدة من المحاكم الرمزية التي لا تمتلك قوة إلزامية قانونية، لكنها تُحدث تأثيراً عميقاً في الرأي العام العالمي، وتوفر أرضية حقيقية لكشف الجرائم التي غالباً ما يُسكت عنها.
فبعد تجربة مماثلة خاضتها الإيرانيات عقب انطلاق الانتفاضة الشعبية في 2022، تبنّت مؤسسات مدنية أفغانية فكرة تنظيم محكمة شعبية جديدة، من المقرر عقدها قريباً، لتسليط الضوء على ما تتعرض له النساء من انتهاكات ممنهجة منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، الخميس.
ومنذ سيطرة طالبان مجدداً على الحكم في كابول، وُجّهت أولى هجماتها نحو النساء، حيث حرمن من التعليم والعمل، وتعرضن للاعتقال والسجن والتعذيب والاغتصاب، وصولاً إلى التحرش الجنسي.
هذه السياسات، المقترنة بهيمنة الفكر الذكوري المتشدد، دفعت بعض النساء، خصوصاً من سُجنّ بتهمة "عدم الالتزام بالحجاب"، إلى الانتحار، فيما أصيبت أخريات باضطرابات نفسية وجسدية خطيرة.
شهادات من داخل السجون
رغم محاولات طالبان إسكات الأصوات النسائية، خرجت شهادات جريئة من نساء تحدثن علناً، ولأول مرة في تاريخ أفغانستان، عمّا تعرضن له داخل السجون من اغتصاب وتحرش.
بل إن بعض مقاطع الفيديو التي سجّلتها طالبان لتوثيق هذه الجرائم بغرض التهديد، تم تسريبها إلى وسائل الإعلام على أيدي النساء أنفسهن، في خطوة جسّدت شجاعة استثنائية لفضح الانتهاكات، ونالت دعماً واسعاً من الشعب ومن نساء أخريات.
ودفعت هذه الجرائم المتكررة أربع مؤسسات مدنية أفغانية، بينها منظمة حقوق الإنسان والديمقراطية في أفغانستان، إلى تبني مبادرة المحكمة الشعبية.. هذه المنظمة كانت قد أسست سابقاً أنشطة توثيقية هامة، مثل صندوق لذكريات الضحايا ومتحف يوثق أربعة عقود من الحرب، إلى جانب عروض مسرحية بمشاركة أسر الضحايا.
ومع عودة طالبان، اضطر أعضاؤها لمغادرة البلاد، لكنهم استمروا في جمع الأدلة والوثائق حول الجرائم ضد النساء، ليكونوا اليوم في طليعة من أطلقوا هذه المحكمة.
هدف المحكمة الشعبية
جاء في بيان صادر عن المنظمة أن "المحكمة سترفع صوت النساء الأفغانيات إلى المستوى العالمي، حيث سيتم الاستماع إلى شهادات النساء والخبراء، وإصدار حكم نهائي".
ورغم أن المحكمة ليست ملزمة قانونياً، فإنها محكمة للرأي العام، تضغط على المجتمع الدولي وتسلط الضوء على ضرورة العدالة الانتقالية ومساءلة طالبان عن الجرائم المرتكبة.
ورحبت الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى بهذه الخطوة، غير أن ناشطات أفغانيات شددن على أن الترحيب وحده لا يكفي، داعيات إلى تمثيل النساء اللواتي يعانين داخل البلاد، وعدم السماح بتكرار تجربة "مفاوضات السلام" السابقة التي وصفت طالبان حينها بالمعتدلين، وأكدن أن هذه المحكمة يجب أن تكون منصة للمضطهدات الحقيقيات حتى لا يتم تحريف مسارها.
فرصة تاريخية للنساء
تُعد المحكمة الشعبية فرصة نادرة لتوثيق الانتهاكات ورفع صوت النساء الأفغانيات إلى العالم، فهي وإن لم تكن محكمة ملزمة قانونياً، إلا أن أحكامها الأخلاقية وضغطها الإعلامي يمثلان أداة قوية لتحريك الضمير العالمي.
وبقدر ما تجمع هذه المحكمة من شهادات وأدلة، فإنها تُبقي قضية النساء الأفغانيات حاضرة في الواجهة، وتؤكد أن العدالة المؤجلة لا تسقط بالتقادم، وأن الجرائم لا يمكن أن تُطمر بالصمت.











