من الترحيل إلى الاعتقال.. قصة مجتبى محمدي فصل جديد في سياسة قمع طالبان

من الترحيل إلى الاعتقال.. قصة مجتبى محمدي فصل جديد في سياسة قمع طالبان
الناشط الأفغاني مجتبى محمدي

أثار اعتقال الناشط المدني مجتبى محمدي ردود فعل محلية ودولية واسعة، إذ اعتبر نشطاء ومنظمات حقوقية الاقتياد القسري من إيران ثم القبض عليه من قبل أجهزة استخبارات حركة طالبان الأفغانية دليلاً جديداً على سياسة القمع المنهجية التي تُمارس ضد المجتمع المدني. 

وفق ما نشره موقع تلفزيون "Amu TV" الأحد، أفادت تقارير محلية بأن عناصر من مخابرات حركة طالبان داهموا منزله بعد أيام من ترحيله من إيران، وأن مكان احتجازه لا يزال مجهولاً، في حين تحدثت مصادر عن تعرضه للتعذيب، وطالبت منظمات المجتمع المدني بإطلاق سراحه فوراً ووصفت توقيفه بأنه جزء من حملة مستمرة ضد المدافعين عن الحقوق. 

من هو مجتبى محمدي؟

مجتبى محمدي ناشط معروف بدفاعه عن حقوق اللاجئين والمجتمع المدني، وكان قد أقيل قسرياً من إيران قبل أيام، ثم اعتُقل لدى عودته إلى أفغانستان، وضبابية المعلومات حول مصيره ومكان احتجازه، إلى جانب تقارير عن تعذيب وغياب الوصول القانوني، تعيد إلى الواجهة نمطاً موثقاً من الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري الذي رصدته بعثات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان منذ استيلاء طالبان على السلطة عام 2021. 

منذ استيلاء طالبان على السلطة، طبّقت السلطات سياسات تشدد من القيود على الحرية العامة: قمع الصحافة، حظر منظمات وجمعيات، مطاردة نشطاء وقيادات مدنية، وفرض قيود صارمة على النساء والفتيات، وتوثق التقارير الأممية والحقوقية ما وصفته "التسييس" للقضاء وعودة ما يشبه العقوبات العامة والممارسات التعسفية، بينما تكثفت حملات الاعتقال خاصة ضد الذين يُعتقد أنهم عملوا مع حكومات سابقة أو منظمات دولية.

ويأتي اعتقال محمدي في سياق هذه السياسات ويؤكد أن العودة إلى آليات الدولة القانونية الواجبة غير متوافرة عملياً، وفق منظمة "هيومن رايتس ووتش".

ردود المنظمات الحقوقية

نددت منظمات حقوقية دولية بمن في ذلك منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش باعتقال النشطاء واعتبرت ذلك انتهاكاً لحقوق حرية التعبير والتجمع، بعثات الأمم المتحدة المختصة وثّقت حالات تعذيب واختفاء قسري واعتقال تعسفي، وحذرت من مخاطر استهداف العائدين قسرياً من دول الجوار الذين باتوا عرضة للملاحقة عند عودتهم.

 في هذا السياق، دعت البعثة الأممية في أفغانستان إلى وقف عمليات الترحيل وعدم إعادة الأفراد إلى وضع قد يعرّضهم للاعتقال أو التعذيب، كما تناولت تقارير أنماطاً أوسع من الانتهاكات التي قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، لا سيما ضد النساء والمجموعات المستهدفة. 

وتسجّل تقارير الأمم المتحدة والبعثات الخاصة سجلاً متواصلاً لانتهاكات الحريات حيث أبلغت بعثة الأمم المتحدة عن مئات حالات اعتقال وتعقب للصحفيين منذ 2021، وبيانات صحفية أشارت إلى احتجاز الصحفيين أكثر من مئتين وخمسين مرة في سياقات مختلفة، ما يعكس بيئة غير آمنة للعمل الصحفي.

كما رصدت منظمات حقوقية موجات ترحيل من دول الجوار في 2025 أفضت إلى عودة أعداد كبيرة من الأفغان الذين يواجهون خطراً على حياتهم وسلامتهم، وهذه المؤشرات تؤسس لسجل منهجي يبرر القلق الدولي. 

الأطر القانونية الدولية 

أفغانستان كانت طرفاً في معاهدات حقوقية دولية أساسية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ما يضع مسؤوليات قانونية على الدولة لحماية الحريات وعدم التعرض للتعذيب أو الاحتجاز التعسفي، حتى في غياب اعتراف رسمي ببعض ممارسات السلطات الحالية، تظل الالتزامات الدولية معياراً أخلاقياً وقانونياً للمجتمع الدولي.

 أدوات المساءلة متاحة عبر آليات الأمم المتحدة وتوصيات اللجان المعنية، كما تزداد أهمية ملاحقة المسؤولين عبر المسارات الجزائية الدولية فالمدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قد أصدر طلبات تحرٍ وتوجيهات بشأن قضايا كبيرة تتعلق بانتهاكات ضد المرأة والمجموعات المستهدفة في أفغانستان، وهو ما يفتح آفاقاً لإجراءات لاحقة ضد قادة أو عناصر متورطة في انتهاكات جسيمة. 

الاعتقالات المتكررة تضرب الشريان الحيوي للمجتمع المدني، فالمتطوعون والمدافعون عن الحقوق يعملون كممرّات لحماية الضعفاء وتقديم خدمات إنسانية وتنامي المخاوف من الاعتقال يقوض العمل التطوعي، يدفع منظمات محلية إلى العمل الخفي أو التوقف، ويزيد من هجرة العقول والناشطين وعلى مستوى الأفراد، يؤدي غياب الضمانات القانونية إلى تعميق الخوف وإضعاف قدرة المواطنين على المطالبة بحقوقهم الأساسية.

ردود أفعال دولية

التحركات الدبلوماسية والمتطلبات العملية تتراوح بين الضغوط السياسية وقيود التعاون مع سلطات طالبان، وأصبحت الدعوات إلى وقف الترحيل القسري من دول الجوار والمجتمعات المضيفة أكثر إلحاحاً بعدما وثقت تقارير تعرض العائدين للاعتقال والتعذيب، وفي المقابل تواجه الدول موقفاً معقداً بين حماية حقوق الإنسان واعتبارات أمنية وسياسات الهجرة، ما يدفع منظمات ومؤسسات دولية للمطالبة بتنسيق إنساني واضح وحماية قانونية للعائدين والناشطين وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

المؤشرات التي سيُقاس على أساسها مدى اتساع الأزمة -وفق مراقبين حقوقيين- تشمل مكان وإمكانية الوصول إلى مجتبى محمدي وإطلاق سراحه، وعدد حالات الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري في الأسابيع المقبلة، وأوضاع العائدين المطرودين من دول الجوار، وكذلك وضعية العمل الصحفي والحقوقي داخل أفغانستان، كما تجب متابعة الاستجابة الدولية بما في ذلك مواقف الأمم المتحدة، وتقارير مجلس حقوق الإنسان، ومدى استعمال آليات المحاسبة الدولية. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية