"أزمة إنسانية صامتة".. فولكر تورك يسلط الضوء على الحرمان من الجنسية

"أزمة إنسانية صامتة".. فولكر تورك يسلط الضوء على الحرمان من الجنسية
فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان

عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60، التي تتواصل في جنيف حتى 8 أكتوبر المقبل، حيث قدم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، تقريرا ركز على أوضاع حقوق الجنسية وما يرتبط بها من إشكالات انعدام الجنسية عبر العالم.

ويعد التقرير من أبرز الوثائق التي تناولت هذه القضية بوصفها «أزمة إنسانية صامتة» تؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم، وتحد من تمتعهم بحقوقهم الأساسية.

وأكد التقرير أن الحق في الجنسية ليس مجرد مسألة إدارية أو قانونية، بل هو حجر الزاوية الذي يُبنى عليه التمتع ببقية الحقوق، فغياب الجنسية أو انعدامها يضع الأفراد في حالة هشاشة دائمة، حيث يحرمون من التعليم والرعاية الصحية، ويُحرمون من المشاركة السياسية والعمل الرسمي، ما يخلق حلقة متكررة من التهميش والإقصاء.

وشدد تورك في تقريره على أن الدول تتحمل المسؤولية الأولى في ضمان هذا الحق، عبر تشريعات واضحة وآليات تضمن تسجيل جميع الولادات، ومنح الجنسية على أساس المساواة وعدم التمييز.

التمييز كأساس لانعدام الجنسية

ولفت التقرير إلى أن أحد الأسباب الجذرية لانتشار حالات انعدام الجنسية هو التمييز في قوانين الجنسية نفسها، سواء على أساس العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي. فأغلب الدول التي تحرم النساء من نقل الجنسية لأطفالهن تخلق أجيالًا من عديمي الجنسية، ما يضاعف هشاشتهم القانونية والاجتماعية.

وأشار التقرير كذلك إلى استمرار ممارسات تمييزية ضد أقليات عرقية ودينية، حيث يُستبعد أفرادها عمدًا من سجلات الجنسية، أو يواجهون عراقيل بيروقراطية تحول دون حصولهم على الاعتراف القانوني.

وأفرد التقرير مساحة خاصة لعرض أوضاع الفئات الأكثر تأثرًا بانعدام الجنسية، وفي مقدمتهم الأطفال والنساء، موضحا أن غياب تسجيل المواليد بشكل فعال يفتح الباب أمام ملايين الأطفال للنشوء بلا أوراق ثبوتية، ما ينعكس على حقهم في التعليم والحماية.

أما النساء فيتضاعف وضعهن هشاشة في الدول التي تقيد حقهن في نقل الجنسية، الأمر الذي يخلق آثارًا طويلة المدى لا تمسهن وحدهن فحسب، بل تمتد إلى أبنائهن وأحفادهن.

تداعيات إنسانية واجتماعية

وأكد التقرير أن انعدام الجنسية يتجاوز البعد القانوني ليصبح أزمة إنسانية واجتماعية واسعة النطاق، فالأشخاص عديمو الجنسية يواجهون غالبًا صعوبة في الحصول على الخدمات الأساسية، ويعيشون تحت تهديد دائم بالاعتقال أو الترحيل، فضلًا عن حرمانهم من فرص العمل والتعليم.

وشدد التقرير على أن هذه الأوضاع تكرس الفقر وتغذي الإقصاء المجتمعي، ما يهدد السلم الاجتماعي ويقوض جهود التنمية المستدامة.

وأشار المفوض السامي إلى أن معالجة أزمة انعدام الجنسية ما زالت تواجه عراقيل بنيوية وسياسية، من بينها غياب الإرادة السياسية لدى بعض الدول، أو استخدام الجنسية كسلاح سياسي لإقصاء المعارضين والأقليات.

ونبه التقرير إلى أن ضعف أنظمة تسجيل المواليد، خاصة في مناطق النزاعات، يشكل عقبة رئيسية أمام ضمان الحق في الجنسية. وأوضح أن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة مهمة لتبسيط هذه الإجراءات، لكن غياب البنية التحتية وضعف القدرات المؤسسية يعيقان الاستفادة منها.

أبعاد دولية 

لم يقتصر التقرير على تحميل المسؤولية للدول منفردة، بل دعا المجتمع الدولي والإقليمي إلى تحمل مسؤولياته في دعم الجهود الوطنية. وأكد أن التعاون الإقليمي يمكن أن يساهم في وضع حلول عملية، خاصة في المناطق التي تشهد تنقلات سكانية واسعة أو نزاعات مسلحة.

وشدد التقرير على أن التزامات الدول بموجب القانون الدولي، خصوصًا اتفاقية عام 1954 بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية واتفاقية عام 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية، تظل المرجعية الأساسية لأي معالجة مستدامة لهذه القضية.

ورغم الصورة القاتمة، عرض التقرير بعض النماذج الإيجابية التي تبنتها دول مختلفة لمعالجة هذه الأزمة، مثل تبسيط إجراءات تسجيل المواليد، ومنح الجنسية بشكل تلقائي للأطفال المولودين على أراضيها في حال عدم حصولهم على أي جنسية أخرى.

وأكد تورك أن هذه المبادرات تشكل خطوات عملية يمكن البناء عليها، داعيًا الدول الأخرى إلى استلهامها وتكييفها مع أوضاعها الوطنية.

واختتم المفوض السامي تقريره بجملة من التوصيات الموجهة إلى الدول الأعضاء والمجتمع الدولي، من أبرزها إصلاح التشريعات الوطنية لضمان الحق في الجنسية على أساس المساواة وعدم التمييز، وإزالة القيود التمييزية التي تمنع النساء من نقل الجنسية لأطفالهن. وضمان تسجيل شامل للمواليد كآلية وقائية ضد انعدام الجنسية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية