الشفافية والتحالفات والتكنولوجيا.. أدوات المنظمات لجذب تمويل مؤثر ومستدام يعزز حماية حقوق الإنسان

الشفافية والتحالفات والتكنولوجيا.. أدوات المنظمات لجذب تمويل مؤثر ومستدام يعزز حماية حقوق الإنسان
بيئة التمويل المستدام

يمثل التمويل حجر الزاوية في قدرة المنظمات غير الحكومية على حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، إلا أن بيئة التمويل العالمي شهدت تحولات كبيرة خلال العقدين الماضيين، مع تراجع الدعم الحكومي المباشر وتزايد المنافسة على المنح، وفي المقابل، أفرزت هذه التحديات فرصاً جديدة تقوم على الابتكار الرقمي، بناء التحالفات، وإثبات الأثر القابل للقياس.

لطالما شكّلت المنح الحكومية وبرامج المؤسسات الخيرية المصدر الأساسي لتمويل أنشطة حقوق الإنسان، لكن مع تقليص بعض الحكومات تمويلها الخارجي أو ربطه باعتبارات سياسية، بدأت المنظمات غير الحكومية تبحث عن بدائل، وبرزت آليات التمويل الجماعي، والاستثمار الاجتماعي، والشراكات مع القطاع الخاص كمسارات جديدة، ما يفرض على المنظمات تطوير قدراتها في التسويق الرقمي وإدارة العلاقات مع المانحين.

تأثير أولويات المانحين

تشير تقارير البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن المانحين باتوا أكثر ميلاً لدعم المبادرات التي تحقق نتائج قابلة للقياس وتتبنى معايير الاستدامة، وهذا يعني أن على المنظمات غير الحكومية صياغة مشروعاتها بما يتوافق مع الأجندات العالمية مثل أهداف التنمية المستدامة 2030، وتقديم أدلة عملية على مساهمتها في التغيير الاجتماعي.

وفق تقرير نشره موقع "fundsforngos" الأربعاء تُجمع منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية على أن إظهار قصص النجاح يمثل أداة فعالة لجذب التمويل، فإلى جانب الإحصاءات، يحتاج المانحون إلى حكايات إنسانية تُجسّد أثر البرامج على حياة الأفراد، وتوصي تقارير مبادرة الشفافية الدولية بالجمع بين البيانات الدقيقة والسرد الإنساني لإقناع الممولين بأهمية الاستثمار في حقوق الإنسان.

التكنولوجيا كأداة تمويلية

تُظهر بيانات "جمعية التمويل الرقمي العالمية" أن أكثر من 35% من التبرعات الفردية في عام 2024 تمت عبر المنصات الإلكترونية، وهذا التحول يفرض على المنظمات غير الحكومية تطوير محتوى مرئي مؤثر واستخدام منصات مثل فيسبوك ويوتيوب وتيك توك لحشد الدعم، الحملات التي توظف البث المباشر والتمويل الجماعي أثبتت فاعليتها في الوصول إلى فئات جديدة من المتبرعين.

وتعد الثقة عنصر حاسم في علاقة المانحين بالمنظمات حيث توصي المفوضية السامية لحقوق الإنسان بتبني ممارسات شفافة، مثل نشر تقارير دورية عن الأنشطة والميزانيات، وتنظيم لقاءات دورية مع الداعمين، ويساهم ذلك في تعزيز شعور المانحين بالانتماء لرسالة المنظمة ويشجعهم على تقديم تمويل ودعم طويل الأمد.

التحالفات كاستراتيجية استدامة

تؤكد تجارب التحالفات الدولية، مثل "الشبكة الدولية لحقوق الإنسان"، أن التعاون بين المنظمات يعزز فرص الحصول على تمويل، فالمشروعات المشتركة تُظهر للجهات المانحة قدرة على تحقيق أثر واسع النطاق، كما توفر تقاسماً للموارد والخبرات. 

التعاون مع الجامعات والشركات يفتح أيضاً أبواباً لتمويل بحثي أو تقني، يساهم في تطوير حلول مبتكرة لمشكلات حقوق الإنسان.

تنويع مصادر التمويل لمواجهة المخاطر

يشير تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2023 إلى أن الاعتماد على مصدر واحد للتمويل يعرض المنظمات لمخاطر الانهيار عند تغير أولويات المانحين، لذلك يُعد تنويع الموارد عبر التبرعات الفردية، ورعاية الشركات، والمشاريع الاجتماعية استراتيجية ضرورية، وتعزز حملات التبرع المحلية والأنشطة المجتمعية قاعدة الدعم وتقلل الاعتماد على التمويل الخارجي.

إلى جانب جمع التبرعات، يُعد العمل على تغيير السياسات جزءاً أساسياً من استراتيجية التمويل، وعندما تُظهر المنظمات أن برامجها تسهم في إصلاحات تشريعية أو في بناء أنظمة عدالة أكثر عدلاً، فإنها تعزز جاذبيتها أمام الممولين، والأمثلة عديدة، منها نجاح حملات حقوق المرأة في بعض الدول الإفريقية، التي استقطبت تمويلاً دولياً بعد ربطها بمكاسب سياسية وتشريعية.

من الدعم الخيري إلى الابتكار المالي

شهد تمويل حقوق الإنسان منذ سبعينيات القرن الماضي انتقالاً من الاعتماد شبه الكامل على المؤسسات الخيرية الغربية إلى نماذج أكثر تنوعاً، وقد مثل تأسيس "مؤسسة المجتمع المفتوح" تحولاً بارزاً في دعم المبادرات الحقوقية عالمياً، أما العقد الأخير، فقد تميز بدخول التمويل الرقمي ومشاركة القطاع الخاص، مما غيّر جذرياً طبيعة العلاقة بين المنظمات والمانحين.

إحصاءات حديثة

تشير تقديرات "مؤسسة فورد" إلى أن التمويل المخصص لبرامج حقوق الإنسان بلغ 3.7 مليار دولار عام 2023 على مستوى العالم، لكن أقل من 15% منه وُجّه إلى منظمات محلية صغيرة، وهذا الخلل يبرز الحاجة إلى تعزيز وصول هذه المنظمات إلى مصادر تمويل مبتكرة تمكنها من الاستمرار.

جذب التمويل لبرامج حقوق الإنسان المبتكرة لم يعد مجرد مسألة إعداد مقترحات مشاريع، بل يتطلب استراتيجية شاملة تجمع بين الشفافية، السرد الإنساني، التكنولوجيا، والتحالفات، وفي ظل الأزمات العالمية من نزاعات إلى تغير مناخي، يظل تمكين المنظمات غير الحكومية عبر تمويل مستدام شرطاً أساسياً للحفاظ على كرامة الإنسان وتعزيز العدالة الاجتماعية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية