مذكرة ترامب والسلطات الأمنية.. هل تتحول مؤسسات الدولة إلى أداة لقمع المعارضين؟
مذكرة ترامب والسلطات الأمنية.. هل تتحول مؤسسات الدولة إلى أداة لقمع المعارضين؟
اعتبرت هيومن رايتس ووتش أن المذكرة الرئاسية الصادرة من البيت الأبيض في 25 سبتمبر 2025، والتي وجهت الوكالات الاتحادية بالتحقق من وجود شبكات تمويل أو روابط بين مؤسسات خيرية ومنظمات مجتمع مدني وحركات زُعم أنها تحرض على العنف، تشكل تهديداً خطيراً للحريات المدنية والمؤسسات الديمقراطية؛ إذ تضع معياراً غامضاً يمكن أن يبرر مراقبة ومقاضاة خصوم سياسيين ومدافعين عن الحقوق.
نصت المذكرة المعلنة من إدارة الرئيس دونالد ترامب على توجيهات واسعة لوزارة العدل والمالية ووزارة الأمن الداخلي وأجهزة إنفاذ القانون للبحث عن “شبكات عنف سياسي منظمة” ومنه تتبع مصادر التمويل ومراجعة عمل المنظمات غير الربحية، ودافعت الإدارة عن الإجراء بوصفه استجابة لتهديدات نشرها العنف السياسي، في حين انتقده حقوقيون باعتباره توظيفاً لصيغ مكافحة الإرهاب ضد منظمات تعمل سلمياً في المجال العام، وتوضح الوثيقة الرسمية نطاق التفويض، لكنها تترك تعريفات مفتوحة لمصطلحات أساسية مثل “التمويل الذي يهدف إلى القمع” أو “العنف السياسي المنظم”.
استهداف الممولين والمنظمات الخيرية
في أعقاب المذكرة، وردت تقارير تفيد بأن وزارة العدل أُبلغت بتوجيهات لتجهيز تحقيقات محتملة ضد مؤسسات مدعومة من المانحين المعروفين، منها مؤسسات مرتبطة بجورج سوروس، وهو ما أثار ادعاءات بأن الإجراءات قد تُستخدم لتقويض عمل منظمات حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية في الولايات المتحدة، ونقلت مصادر صحفية عن مسؤولين أن طلبات تجهيز التحقيقات شملت فحص احتمالات توجيه اتهامات جنائية تتراوح بين الاحتيال وغسل الأموال وحتى “الدعم المادي للإرهاب”، وهو مستوى من الاتهامات قد يغيّر جذرياً مناخ العمل المدني الرقابي.
الآثار الحقوقية والإنسانية المباشرة
تحول أجهزة الدولة إلى أداة تحقيق واسعة النطاق ضد منظمات المجتمع المدني والمانحين يترك آثاراً إنسانية ملموسة أولها تقييد حرية التعبير، ويستشعر الصحفيون والناشطون وجهاً جديداً من الخطر عند تناول قضايا حساسة أو دعم حملات مناهضة للسياسات الحكومية، ما يزيد من ظاهرة الرقابة الذاتية، وثانياً، يؤثر ذلك في خدمات اجتماعية تقدمها منظمات غير ربحية تتمثل في برامج دعم اللاجئين، ومراكز الدفاع عن حقوق الأقليات، ومشروعات مكافحة الفساد قد تُعرّض لخفض التمويل أو التحقيقات، ما يؤدي إلى حرمان فئات عريضة من خدمات أساسية، وثالثاً، تتعرض ثقة الجمهور في مؤسسات العدالة لانهيار متدرج، إذا بدا أن الأدوات القضائية تُستخدم لأهداف سياسية بدلاً من إنفاذ القانون بغير تحيّز.
ودانت منظمات حقوقية وطنية ودولية المذكرة واعتبرتها استهدافاً غير مبرر للحريات، وطالبت بوقف أي إجراءات تمييزية ضد المنظمات الحقوقية وحماية استقلالية القضاء والادعاء العام، وقد وصفت رابطة الحريات المدنية الأمريكية المذكرة بأنها توسّع صلاحيات أجهزة الدولة بعبارات وسيطة قد تخرق الحماية الدستورية لحرية التعبير والتجمع، أما منظمات حقوقية أخرى فدعت إلى رقابة برلمانية فورية، ونشر مذكرات داخلية للدوائر الحكومية، وضمانات قانونية تمنع استخدام أدوات مكافحة الإرهاب ضد نشاط مدني سلمي.
توظيف أجهزة الأمن لملاحقة معارضين
الولايات المتحدة واجهت تاريخياً فترات توظيف أجهزة الأمن لملاحقة معارضين سياسيين، وهو ما أثار فضائح قادت إلى إصلاحات تشريعية ومؤسساتية (مثل مراجعات على عمل وكالات الاستخبارات وإنشاء آليات إشراف الكونغرس)، في حين أن دستور البلاد وقضاؤها يمنحان حماية قوية للحقوق المدنية، لكن التاريخ يذكر حالات تخطّت فيها السلطات حدودها بدعوى “الأمن القومي”، لذا فإن أي توجيه حكومي جديد يكتسب بعداً تاريخياً هل هو لحظة استثنائية مؤقتة أم بداية لتحوّل مؤسسي؟
الإطار القانوني والدولي
من الناحية الدستورية، يحمي التعديل الأول حرية التعبير والتجمع والتدين، واستخدام قواعد مكافحة الإرهاب أو قوانين الجرائم المنظمة ضد فاعلين مدنيين يثير تساؤلات حول ضمانات المحاكمة العادلة، معايير الإثبات وحقوق الدفاع. وعلى الصعيد الدولي، فالولايات المتحدة ملزمة بمعاهدات دولية لحماية الحريات المدنية، وتُراقَب ممارساتها من قبل هيئات أممية ومنظمات مستقلة، ما يضع الضغط الدبلوماسي والسياسي على إدارة البيت الأبيض في حال تصاعدت الانتهاكات.
المخاطرة الأساسية هي تعطيل الفضاء المدني وإضعاف آليات الرقابة التي تعتمدها الديمقراطيات، ولتجاوز هذا الخطر تطالب منظمات حقوقية بخطوات عملية تتمثل في إلغاء أو تعليق أحكام المذكرة التي تفتقر لتعريفات دقيقة، تفعيل رقابة قضائية وبرلمانية على أي تحقيقات تتعلق بمنظمات المجتمع المدني، إصدار ضمانات رسمية بعدم استخدام لوائح مكافحة الإرهاب ضد نشاط مدني سلمي، وإتاحة آليات شكاوى ومراجعة مستقلة لضحايا أي إجراءات تعسفية.
الرقابة والمساءلة
الأطراف الأجنبية والمجتمع الدولي يمكن أن يضغطوا دماغياً ودبلوماسياً عبر بيانات مشتركة ومخاطبات رسمية تطالب باحترام الحقوق.
داخلياً، يجب على أجهزة الإشراف التشريعية والقضائية أن تضمن أن سياسات الأمن القومي لا تُستغل لسياسات انتقامية، كما ينبغي لهيئات الرقابة الداخلية في وزارة العدل ودوائر الاستخبارات الإفصاح عن معايير العمل وضوابط الحماية المدنية.
المذكرة الرئاسية تمثّل اختباراً لمعنى سيادة القانون وحماية الحريات داخل الولايات المتحدة، وبحسب هيومن رايتس ووتش فإن تحوّل أي جهاز أمني إلى أداة سياسية يعرّض مواطنيه والمجتمع المدني كله إلى مخاطرة إنسانية وقانونية كبيرة؛ والرد الفعال يتطلّب تدخلاً قضائياً وتشريعياً ورقابة مدنية قوية تضمن أن مكافحة العنف السياسي لا تتحول إلى مبرر لقمع المعارضة السلمية، ودعت المنظمات الحقوقية إلى توقف فوري عن توظيف الأجهزة ضد الخصوم السياسيين، وإلى ضمانات تمنع تكرار التجارب التاريخية التي أضرت بثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.