من التعليم إلى المدن الحقوقية.. كيف تحوّل المبادرات الدولية أدوات الحماية في الفلبين؟
من التعليم إلى المدن الحقوقية.. كيف تحوّل المبادرات الدولية أدوات الحماية في الفلبين؟
تعمل النرويج بالتنسيق مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان وبرنامج الأمم المتحدة في الفلبين على رزمة مبادرات تهدف إلى ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في مؤسسات التعليم الجنائي والحكم المحلي، وترويج فكرة "المدن الحقوقية" كأدوات محلية للوقاية والحماية، وهذه الجهود تأتي في وقت تزداد فيه المخاطر على المدافعين عن الحقوق والصحفيين والنشطاء الريفيين، كما تظهر تقارير محلية ودولية استمرار نمط من الانتهاكات يعطل أثر البرامج الطويلة الأمد ما لم تُصاحبها إصلاحات مؤسسية واضحة.
العمل المحوري وفق تقرير إخباري أورده موقع "scandasia" تضمن عقد ورش تدريبية ميدانية في الفلبين مع جمعيات التعليم الجنائي لتضمين مناهج حقوق الإنسان، وإطلاق حوارات مع أصحاب المصلحة حول تكييف دليل "المدن الحقوقية" بشكل عملي على مستوى البلديات، وعمل برنامج الأمم المتحدة المشترك لدعم حقوق الإنسان في الفلبين عمل على تطوير منهج موحد لتدريس الحقوق في كليات علم الجريمة وإشراك الشرطة ومؤسسات العدالة في تدريبات مهنية تركز على المعايير الدولية، في حين وفرت النرويج دعماً مالياً وتقنياً للبرنامج وأبرمت اتفاقية تعاون رسمية مع مكتب الأمم المتحدة في مانيلا لتعزيز قدرات مفوضية حقوق الإنسان المحلية.
أسباب التدخل الدولي
الخلفية التي تبرر تكثيف الدعم تستند لعوامل متعددة منها الإرث الطويل لحملة القمع المرافقة للحرب على المخدرات خلال السنوات السابقة وما رافقها من عمليات قتل خارج القانون وتوسّع سياسة "الوسم الأحمر" أو ما يُعرف بـ"red-tagging" التي جعلت المدافعين والمدرّسين والفلاحين أهدافاً، إلى جانب حاجة المؤسسات الوطنية لتعزيز قدرة البلديات والجامعات على تطبيق معايير حقوق الإنسان بفعالية، وقد وثقت تقارير حقوقية أممية ودولية استمرار عمليات القتل التعسفي والملاحقات القانونية التي تطال مناهضي السياسات الرسمية، ما دفع المانحين ليركزوا على عناصر الوقاية والتعليم والمؤسسات المحلية.
الانتهاكات المتكررة لها أثر إنساني عميق منها فقدان الثقة في مؤسسات العدالة، وتفاقم الخوف بين المجتمعات المتأثرة، وتراجع قدرة الضحايا على المطالبة بحقوقهم، والتهديدات والاعتقالات والمحاكمات بتهم مرتبطة بالإرهاب أو التخريب ترافقها أحياناً حملات تشهير رقمية تقود إلى عزل اقتصادي واجتماعي للمدافعين، وعلى المستوى الصحي والنفسي، تُشير منظمات محلية ودولية إلى زيادة معاناة العائلات والجرحى النفسيين لدى الأطفال والشباب العاملين في الحركات الحقوقية، ما يجعل الاستثمار في برامج الحماية والتأهيل أمراً ذا أولوية إنسانية.
سجلات حقوقية مستقلة وثقت استمرار حالات القتل ذات الصلة بسياسات وممارسات الأمن العام، مع زيادة في أعداد الحوادث المبلغ عنها في بعض السنوات الأخيرة، وقد سجل مشروع رصد "داهاس" التابع لجامعة الفلبين تزايداً في حوادث القتل المرتبطة بعمليات المكافحة بين 2023 و2024، كما وثقت منظمات مدافعة عن الحقوق عدد حالات اتهام واسعة بحق ناشطين ومدافعين، ومنها مئات القضايا المتعلقة بتهم الإرهاب أو تمويل الإرهاب باعتبارها أداة ضغط قضائي، وهذه الأرقام تعطي مؤشراً على أن برامج التعليم والتدريب وحدها لا تكفي ما لم تُرافقها إجراءات لحماية الأشخاص وإصلاح ممارسات إنفاذ القانون.
ردود فعل المنظمات الحقوقية
المنظمات الحقوقية الدولية والدولية الإقليمية رحبت بالمبادرات التي تركز على التعليم والحوكمة المحلية، لكنها شددت على أن الدعم يجب أن يكون ممكناً بمقاييس حماية وشفافية كبرى، هيومن رايتس ووتش ومنظمات محلية مثل Karapatan"" و""FORUM-ASIA دعت إلى إدماج آليات مساءلة فعالة وضمانات لمنع الانتقام ضد المدافعين الذين يشاركون في برامج التدريب، وبدوره، ركز مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان على أهمية أن تُترجم البرامج إلى سياسات ملزمة داخل الشرطة والقضاء لضمان عدم انفصال التدريب عن الممارسة وفق منظمة هيومن رايتس ووتش.
يستند العمل على مستوى البلديات عبر مبادرات "المدن الحقوقية" إلى مبادئ الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان المحلية ودليل الأدوات العملي، لكنه يواجه تحديات تطبيقية. الانتقال من دليل إلى تشريع محلي وإلى موازنات مخصصة وخطط تنفيذية يتطلب إرادة سياسية محلية وإصلاحات قضائية وموازنات مستمرة، كما يتطلب حماية العاملين في المجال الحقوقي من الملاحقات الجزائية أو التشهير الرسمي، والمانحون مثل النرويج يؤمنون بأن التمويل الفني يجب أن يصاحبه ضغط دولي لإصلاحات مؤسساتية تضمن استدامة التأثير، وفق المفوضية العليا لحقوق الإنسان.
مبادرات النرويج والأمم المتحدة توفر مساحات عملية ومهنية لتقوية ثقافة حقوق الإنسان في كليات علم الجريمة والبلديات، وهي خطوة مهمة نحو بناء قدرات محلية قد تقلل من العنف والإفلات من العقاب على المدى المتوسط، مع ذلك، تظل الفعالية محدودة إذا استمرت ممارسات الملاحقة القضائية والوسم والتضييق على منظمات المجتمع المدني دون محاسبة جادة، وتوصي المنظمات الحقوقية بربط الدعم التقني بآليات حماية ملموسة وضمان وصول الضحايا إلى عدالة حقيقية، وعنصر الزمن هنا حاسم لأن استمرار الانتهاكات يضاعف تكلفة التعافي الاجتماعي ويضعف فرص نجاح أي برنامج تنموي أو حقوقي محلي.