الجفاف ينهش عاصمة أفغانستان.. أطفال يجرّون الماء بدل الذهاب إلى المدرسة
الجفاف ينهش عاصمة أفغانستان.. أطفال يجرّون الماء بدل الذهاب إلى المدرسة
الماء، الذي يُفترض أن يكون أبسط مقومات الحياة، تحوّل في العاصمة الأفغانية كابول إلى كابوس يومي يثقل كاهل الأسر ويمسّ بشكل مباشر حقوق الأطفال في الصحة والتعليم، فمع تفاقم الجفاف وهطول الأمطار بشكل غير منتظم نتيجة التغير المناخي، تقف عائلات المدينة في مواجهة أزمة مائية تهدد حياة ملايين السكان وتحوّل تفاصيل يومية بسيطة مثل شرب الماء أو غلي الطعام إلى مهمة شاقة ومرهقة.
على الطرق الترابية لكابول، يظهر مشهد يلخص المأساة تتجسد على وجوه الأطفال، نورالله، البالغ من العمر ثمانية أعوام والمصاب بالصرع، وشقيقه ثناالله، يقضيان ساعات طويلة في جر براميل المياه بدلاً من الجلوس على مقاعد الدراسة، يقول نورالله إنه تعرض لنوبة صرع أثناء حمل المياه وسقط مغشياً عليه، بينما يروي شقيقه: "أحياناً نقف ثلاث ساعات في الطابور، وعندما تشتد الحرارة نصاب بالدوار"، وبحسب شبكة "أفغانستان إنترناشيونال" هذان الطفلان ليسا سوى نموذج من آلاف الأطفال الذين اختُطف حقهم في التعليم وأُجبروا على العمل القسري في سبيل النجاة.
معاناة تمتد لكل أفراد الأسرة
والد الطفلين، أسدالله (42 عاماً)، كان يعتمد على بئر منزلية، لكنها جفّت، فأصبح مضطراً لإرسال أبنائه ست أو سبع مرات يومياً لجلب المياه، دخله، الذي لا يتجاوز 2–3 دولارات يومياً، تراجع بشدة لأنه يضطر لمساعدة أبنائه في المهمة الشاقة، أما والدتهم سبري فأصيبت بعدوى بكتيرية بسبب المياه غير النظيفة، بينما يعاني زوجها من قرحة معدية مرتبطة بسوء التغذية والإجهاد.
تظهر الأرقام حجم التفاوت الاجتماعي في كابول حيث تنفق الأسر الفقيرة قرابة 30% من دخلها على شراء المياه من صهاريج خاصة، بينما يتمكّن الأثرياء من حفر آبار عميقة تصل إلى أكثر من 120 متراً، ومع ذلك، يؤكد السكان أنه حتى هذه الآبار بدأت تجف، يقول محمد آصف أيوبي، وهو أب لخمسة أطفال: "أكثر من 380 عائلة في حينا تعاني الوضع نفسه، حتى الآبار التي يصل عمقها إلى 120 متراً جفت".
عدد سكان كابول ارتفع إلى أكثر من ستة ملايين نسمة خلال العقدين الماضيين، لكن الاستثمار في شبكات المياه لم يواكب هذا النمو، الحرب دمّرت الكثير من البنية التحتية، فيما تُرك السكان للاعتماد على آبار فردية أو شراء المياه بأسعار باهظة من الصهاريج، ويرى الباحث الأفغاني في شؤون المياه، نجيب الله صديق، أن "كابول من أكثر المناطق توتراً على صعيد المياه"، محذراً من أن النزاع والفساد الإداري يزيدان الطين بلة.
خطر يهدد الصحة العامة
الأطباء يحذرون من موجة متزايدة من الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا والتيفوئيد والإسهال الحاد، إضافة إلى أمراض تنفسية مرتبطة بالدخان الناتج عن غلي المياه غير النظيفة، وسوء التغذية يفاقم الوضع، حيث تُضطر الأسر لتقليص الوجبات من أجل تأمين المياه، ما يضع الأطفال على حافة المجاعة الصامتة.
رُزا أوتونبايفا، الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في أفغانستان، حذّرت مجلس الأمن من أن كابول قد تصبح "أول عاصمة حديثة ينفد منها الماء خلال سنوات قليلة"، وكان تقرير لشبكة محللي أفغانستان قد أشار بالفعل إلى أن المياه الجوفية في المدينة قد تُستنزف بالكامل بحلول عام 2030 إذا استمرت وتيرة الاستهلاك الحالية دون حلول مستدامة.
الأزمة لا تعني فقط العطش والمرض، بل تهدد أيضاً مستقبل جيل كامل يُحرم من التعليم. مئات الأطفال يتركون مدارسهم لمساعدة أسرهم في جلب المياه، ما يعني اتساع دائرة الفقر والجهل في بلد يعاني أصلاً من هشاشة تنموية وصراعات سياسية مزمنة.
التغير المناخي في قلب الأزمة
تواجه أفغانستان واحدة من أشد الأزمات المناخية في آسيا الوسطى، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الأمطار إلى موجات جفاف متكررة وسيول مدمرة عند هطول المطر، وفقاً لتقارير البنك الدولي، تراجعت الموارد المائية العذبة للفرد الواحد في أفغانستان بنسبة تفوق 60% خلال العقود الثلاثة الماضية، ومع تزايد النمو السكاني السريع والهجرة الداخلية نحو المدن، تصبح كابول نموذجاً صارخاً لعلاقة التغير المناخي بالفقر والنزوح والهشاشة السياسية.
كابول اليوم تعكس مشهداً يختلط فيه تغير المناخ مع آثار الحرب والفقر لتشكل أزمة إنسانية مكتملة الأركان، الأزمة ليست مجرد نقص في المياه، بل هي خطر يهدد الحياة والكرامة والحقوق الأساسية، وبينما تحذر التقارير الدولية من أن الزمن ينفد، يبقى الأطفال مثل نورالله وثناالله شهوداً أبرياء على مأساة قد تجعل كابول أول عاصمة عطشى في التاريخ الحديث.