ماكسيم بوتكيفيتش.. صحفي أوكراني حوّل السجن إلى منبر للحرية

ماكسيم بوتكيفيتش.. صحفي أوكراني حوّل السجن إلى منبر للحرية
الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا

في قاعة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بستراسبورغ، تحوّل التكريم إلى رسالة إنسانية عابرة للحدود: الصحفي الأوكراني والمدافع عن حقوق الإنسان ماكسيم بوتكيفيتش يتسلم جائزة فافل هافيل لحقوق الإنسان في دورتها السادسة عشرة، بعد رحلة مليئة بالتضحيات والألم.

بوتكيفيتش، أحد مؤسسي مركز "زمنينا" لحقوق الإنسان وقناة "هرومازدكي"، لم يكن مجرد صحفي ينقل الحقائق، بل كان من أوائل من حملوا الكلمة كسلاح دفاعي ضد الظلم، ومع اندلاع الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، اختار أن يحمل السلاح دفاعاً عن بلاده وقيم الحرية التي آمن بها طويلاً، وفق موقع المجلس الأوروبي.

لكن رحلته لم تخلُ من الثمن، فقد اعتقلته القوات الروسية، وحكم عليه بالسجن ثلاثة عشر عاماً، قضى منها أكثر من عامين في ظروف قاسية، قبل أن يخرج إلى النور ضمن صفقة تبادل أسرى في أكتوبر 2024، واليوم، يقف في ستراسبورغ رمزاً للشجاعة والمقاومة، يذكر العالم أن الحرية أثمن من الحياة نفسها.

أصوات خلف القضبان

لم يكن بوتكيفيتش وحده في المشهد، فالصحفية الجورجية ميزيا أمغلوبيلي، والصحفي الأذربيجاني أولفي حسنلي، كانا أيضاً ضمن قائمة المرشحين، إلا أن حضورهما اقتصر على ممثلين عنهما، فهما لا يزالان خلف القضبان في بلديهما.

تسلم محامي أمغلوبيلي وزوج حسنلي الشهادات نيابة عنهما، في لحظة عكست مرارة الحرمان من الحرية، لكنها أبرزت في الوقت ذاته أن الأصوات الحرة لا تسكت، حتى وإن كُبلت الأجساد.

وفي كلمته الافتتاحية، شدد رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، ثيودوروس روسوبولوس، على أن اجتماع ثلاثة صحفيين في لائحة الترشيحات ليس مصادفة، بل تأكيد على أن المعركة من أجل الحقيقة والإعلام الحر ما زالت في صميم معركة الديمقراطية.

وأشار إلى أن منصة مجلس أوروبا لحماية الصحفيين وثّقت حتى منتصف مارس أكثر من 171 حالة اعتقال لصحفيين في أوروبا، بينهم 98 في دول عضو بالمجلس، فيما لا يزال 26 صحفياً أوكرانياً محتجزين تعسفياً في روسيا.

روسوبولوس، الذي خبر مهنة الصحافة بنفسه، لم يكتفِ بالإحصاءات. بل أطلق نداءً مباشراً للإفراج عن أمغلوبيلي وحسنلي، مؤكداً: "قد يُسكت صوتكم، لكن شهادتكم تصل إلينا بصوت جهير. لا ينبغي أن تخشى الحكومات من الحقيقة".

الحرية لا تُشترى

حين صعد بوتكيفيتش إلى المنصة، بدت كلماته أقرب إلى وصية. قال إن حصوله على الجائزة كان "حلماً بعيد المنال" وهو داخل السجن الروسي قبل عام واحد فقط. لكنه اليوم، وهو يتنفس الحرية، أراد أن يكون صوته صدى لآلام الآخرين:

"أشكر الأسرى الأوكرانيين والمحتجزين المدنيين في روسيا، وأشكر الصحفيين الذين سُلبوا حريتهم في الأنظمة الاستبدادية. أوكرانيا لا تدافع فقط عن سيادتها، بل عن القيم الأساسية: الحرية، الكرامة، والحق في العيش بلا خوف".

تُمنح جائزة فافل هافيل لحقوق الإنسان سنوياً من الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، بالتعاون مع مكتبة فافل وجمعية "شارتا 77"، تكريماً لجهود المجتمع المدني في الدفاع عن الحقوق والحريات، تبلغ قيمتها 60 ألف يورو، إلى جانب درع وشهادة شرفية.

ومنذ تأسيسها عام 2013، كرّمت شخصيات بارزة شكلت علامات مضيئة في سجل النضال الحقوقي، بينهم نادية مراد، عثمان كافالا، لُجين الهذلول، فلاديمير كارا-مورزا، وماريا كورينا ماشادو، واليوم، ينضم ماكسيم بوتكيفيتش إلى هذه القائمة، كرمز جديد للمقاومة الإنسانية في وجه الاستبداد.

للحرية ثمن لا ينتهي

الجائزة لم تكن فقط تكريماً فردياً، بل صرخة جماعية ضد قمع الصحافة وتكميم الأفواه، إنها تذكير بأن خلف كل جائزة معاناة، وخلف كل كلمة حرية هناك تضحية، وأن أصوات الصحفيين المسجونة ستظل تتردد عالياً في قاعات المحافل الدولية حتى يُفتح باب الحرية للجميع.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية