من التنديد إلى التحقيق.. كيف تصعّد المنظمات الحقوقية الضغط على سياسات الصين؟

خلال الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف

من التنديد إلى التحقيق.. كيف تصعّد المنظمات الحقوقية الضغط على سياسات الصين؟
احتجاجات ضد انتهاكات حقوق الأقليات في الصين

تتواصل النداءات الدولية المطالبة بإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق تثير حساسية خاصة في الصين: شينجيانغ (التي تسميها السلطات إقليم شينجيانغ الأويغوري)، التيبت، وهونغ كونغ، وصعدت التصريحات التي أدلت بها دول غربية وشمالية خلال الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، إضافة إلى تقارير أممية ومنظمات حقوقية دولية، من وتيرة الدعوة إلى تحقيقات مستقلة ووصول أممي عاجل لتقييم الأوضاع وحماية الضحايا.

تُعد قضية الأويغور والتركمان وغيرهم من المسلمين في شينجيانغ الأكثر إثارة للقلق بحسب ما أورده موقع "scandasia"،  وقد خلص تقرير مكتب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في أغسطس 2022 إلى أن نطاق الاحتجاز التعسفي والقيود النظامية الواسعة قد يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وضمن التقرير انتقادات لسياسات التهجير القسري، الاعتقال الجماعي، والقيود على حرية الدين والثقافة، وتواصل منظمات حقوقية دولية توثيق حالات اعتقال قسرية وبرامج للتكييف الثقافي، فيما تقديرات عدة تشير إلى أن مئات الآلاف وربما أكثر من مليون شخص تعرضوا للاحتجاز أو لإجراءات قسرية خلال السنوات الماضية، وفق مفوضية حقوق الإنسان.

في التيبت، تشير تقارير منظمات حقوقية إلى حملات تستهدف الهوية الدينية والثقافية للتبت، وقيود صارمة على ممارسات الدين والتعليم المحلي، إضافة إلى قيود على حركة ناشطين ومن المواطنين، أما في هونغ كونغ ففرض قانون الأمن القومي في 2020 وامتدادات تنفيذية لاحقة أدت إلى تراجع كبير في الحريات المدنية والسياسية، مع توقيفات لقادة ونشطاء وقيود على حرية الصحافة والتجمع السلمي، ما دفع كثيرين من المجتمع المدني إلى الخضوع للرقابة أو المغادرة، وفق "هيومن رايتس ووتش".

لماذا تتصاعد المطالب؟ 

تتجمع عوامل داخلية وخارجية لتغذية الضغوط الدولية منها: أولاً، تراكم توثيق الادعاءات والأدلة التي قدمتها منظمات حقوقية وإعلاميون وغيرهم، ما جعل المسألة ذات طابع أممي وذات أثر سياسي دولي، وثانياً، تحوّل قضايا الحقوق إلى عناصر مبدئية في سياسات الاستجابة الدولية وحقوق الأقليات، بما دفع دولاً إلى رفع الصوت علناً في منتديات مثل مجلس حقوق الإنسان، وثالثاً، تأثير الشبكات العالمية لحقوق الإنسان وفضح سلاسل التوريد التي تستفيد من ممارسات قسرية جعل الشركات والدول أكثر عرضة للمساءلة، ورابعاً، النزعة الجيوسياسية المتصاعدة أدت إلى أن تكون قضايا الحقوق جزءاً من العلاقات الدولية وساحة للضغط الدبلوماسي. 

منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو ومنظمات متخصصة بتيارات الأقليات طالبت بآليات مساءلة حقيقية، بما يشمل إجراء تحقيقات مستقلة، وفتح وصول خبراء أمميين إلى المناطق المتأثرة، وحماية المبلّغين والناشطين، وتشير بيانات حديثة من العفو الدولية إلى استمرار معاناة العائلات وعدم تحقيق المساءلة اللازمة، وتدعو المجتمع الدولي إلى إجراءات ملموسة بدل البيانات الدورية، وفي الجلسات الأممية الأخيرة انضمت عدة دول مثل فنلندا والسويد والدنمارك وأخرى إلى هذه المطالب، مطالبة بكين بالامتثال لتوصيات آليات الأمم المتحدة المعنية.

الإطار القانوني الدولي

القانون الدولي يوفر أدوات منها: اتفاقيات منع الجرائم الدولية، وقواعد حقوق الإنسان الدولية، والتزامات الدول الراعية للمعاهدات، وقد أوصى تقرير مكتب مفوض الأمم المتحدة بأن تُتخذ خطوات لمعالجة الانتهاكات، منها فتح تحقيقات فعّالة وتوفير سبل إنصاف للضحايا، كما اقترح حث الصين على الانضمام إلى معاهدات رئيسية تُيسّر المساءلة، لكن تطبيق هذه المعايير يصطدم بعقبات عملية وسياسية: الصين تنكر الاتهامات وتؤكد أن سياساتها تهدف لمكافحة التطرف وتحقيق الأمن، كما أن سلطات السيادة تعترض أي محاولات لفرض آليات خارجية غير مرغوبة من قبل بكين. 

إلى جانب الانتهاكات الفردية، تحمل هذه السياسات أثراً جماعياً منها: تفتت الأسر، وإضعاف اللغة والثقافة المحلية، وصدمات نفسية واسعة، وموجات نزوح أو هجرة لجوء، وفي هونغ كونغ أدّى الخناق السياسي إلى هجرة قوى مدنية وارتفاع الشعور بعدم الأمان السياسي، وفي شينجيانغ والتيبت، تتهدد المجتمعات فقدان مواردها الثقافية والدينية، كما أن القيود تُولّد أثرًا اقتصاديًا واجتماعيًا طويل الأمد يزيد من هشاشة الفئات المهمّشة، هذه أزمات إنسانية ليس من شأنها أن تُستجاب بالوعود فقط، بل تتطلب برامج تعافٍ وإصلاحات قانونية وحماية ضامنة لاستعادة الحقوق والكرامة، بحسب هيومن رايتس ووتش.

التحديات والفرص الدبلوماسية

الضغوط الدولية تواجه خيارات محدودة فالخطوات الرمزية كبيانات أممية أو بيانات دولية لها أثر سياسي لكنها لا تكفي؛ وفي المقابل هناك خيارات أشد مثل قيود تجارية أو استهداف سلاسل التوريد وذلك يمكن أن يردع الشركات من الاستفادة من ممارسات قسرية، لكن لها عواقب جيوسياسية واقتصادية. 

مقترح منظمات المجتمع المدني ومؤسسات حقوق الإنسان يدعو إلى مزيج من عناصر: استمرار التوثيق والضغط الدبلوماسي، دعم آليات تقاضي دولية وإقليمية، حماية للضحايا والشهود، والضغط على الشركات لفرض معايير شفافة في سلاسل التوريد. 

نداءات مجلس حقوق الإنسان وفيها دول أوروبية وشركات وحقوقيون تُعيد سؤالًا مركزياً.. هل يكفي التنديد أم أن الوقت حان لتوفير مسارات عملية للمساءلة والإنصاف؟ فحماية الأقليات وحرية الرأي والتجمع في هونغ كونغ وحقوق الأويغور والتيبتيين ليست قضايا بعيدة عن الأمن الدولي والاقتصاد العالمي، بل هي اختبار لصدقية الالتزامات الدولية، وخطوات ملموسة تتضمن تحقيقات مستقلة، فضمان وصول خبراء أمميين، ومساءلة الشركات المتواطئة في انتهاكات سلاسل التوريد، ستكون المعيار الذي تقاس به فاعلية الاستجابة الدولية لنداءات الضمير والالتزام بالقانون، بحسب مفوضية حقوق الإنسان الأممية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية