نيكاراغوا أمام مرآة مجلس حقوق الإنسان.. تقرير أممي يكشف واقعاً مظلماً للقمع وتفكيك المجتمع المدني
نيكاراغوا أمام مرآة مجلس حقوق الإنسان.. تقرير أممي يكشف واقعاً مظلماً للقمع وتفكيك المجتمع المدني
في أروقة قصر الأمم بجنيف، خلال الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان، ألقى تقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حول نيكاراغوا بظلال ثقيلة على المشهد الدولي، كاشفًا عن حجم الانتهاكات الممنهجة التي تطول المجتمع المدني، والأصوات المعارضة، والشعوب الأصلية.
التقرير، المدعوم بشهادات مباشرة من الضحايا في المنفى وفق مفوضية حقوق الإنسان، أبرز حجم الأزمة الإنسانية والسياسية التي تعيشها البلاد منذ 2018، حيث تحولت نيكاراغوا إلى ساحة لاضطهاد شامل شمل الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والنفي القسري، ومحو الهوية القانونية، وإغلاق آلاف المنظمات.
انتهاكات ممنهجة بالأرقام
تضمن التقرير الأممي حول الانتهاكات في نيكارغوا بيانات صادمة منها: 75 شخصًا لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي لأسباب سياسية حتى يونيو 2025، و31 حالة اختفاء قسري مسجلة، ارتفعت بعد مداهمات الشرطة في منتصف 2025، و16 حالة تعذيب، بينها عنف جنسي، و52 حالة منع تعسفي من العودة إلى البلاد، و156 حالة طرد قسري خلال عام واحد، وزيادة بنسبة 21% في جرائم قتل النساء عام 2024 مقارنة بالعام السابق، وإغلاق 5535 منظمة منذ 2018، بينها 850 ذات طابع ديني و41 مؤسسة تعليمية، ما يهدد النسيج الاجتماعي والأكاديمي، كما تحتل نيكاراغوا المرتبة الـ172 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة لعام 2025.
التقرير توقف عند الإصلاح الدستوري لعام 2025، الذي وصفته الأمم المتحدة بأنه "شرعنة للسلطوية"، فقد منح الدستور الجديد صلاحيات شبه مطلقة للرئاسة، أضعف التعددية السياسية، وأدخل نظام "الرئاسة المشتركة" الذي يسمح بتولي نائب الرئيس السلطة دون انتخابات شعبية، والأخطر أنه ألغى ضمانات دستورية أساسية مثل الحظر الصريح للتعذيب وحق المحاكمة العادلة، ما مثّل إطارًا قانونيًا لاستمرار القمع وتجريم الأصوات المستقلة.
الانتهاكات لم تقف عند حدود المعارضة السياسية، بل امتدت إلى الفئات الأكثر هشاشة، حيث استمر استغلال أراضي الشعوب الأصلية والأفارقة المنحدرين من أصول نيكاراغوية دون موافقة، فيما قُتل أربعة من قادة المجتمعات المحلية دفاعًا عن أراضيهم، كما سجل التقرير استمرار العنف الجنسي ضد النساء والفتيات، بما في ذلك نساء من مجتمعات السكان الأصليين، إلى جانب استمرار الحظر المطلق على الإجهاض، ما يعرض حياة النساء للخطر.
ردود الفعل
المنظمات الحقوقية الدولية، ومنها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، رحّبت بالتقرير معتبرة أنه "وثيقة محورية" لمساءلة النظام النيكاراغوي أمام المجتمع الدولي، كما شددت على أن الانتهاكات ترتقي إلى جرائم محتملة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، داعية إلى إحالة الملف إلى آليات العدالة الدولية، وأكد فريق خبراء حقوق الإنسان المعني بنيكاراغوا، الذي أنشأه مجلس حقوق الإنسان عام 2022، أن الانتهاكات "واسعة النطاق وممنهجة"، وتم تجديد ولايته حتى 2026 لتعزيز التوثيق والمساءلة.
تداعيات إنسانية وسياسية
تزايد المنفى القسري يشير إلى أزمة لجوء صامتة في أمريكا الوسطى، ويعيش آلاف النيكاراغويين بلا هوية قانونية بعد حرمانهم من الجنسية، فيما يؤدي إغلاق المنظمات إلى انهيار الخدمات الاجتماعية والثقافية، وحذرت الأمم المتحدة من خطر "انهيار النسيج الاجتماعي" نتيجة تقييد الحيز المدني والديني والأكاديمي، وعلى الصعيد السياسي، يُتوقع أن تؤدي الإصلاحات الدستورية إلى انتخابات شكلية في المستقبل، ما يعمّق عزلة نيكاراغوا دوليًا.
بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فإن الانتهاكات الموثقة تمثل خرقًا مباشرًا لالتزامات نيكاراغوا، وأكد الخبراء الأمميون أن استمرار الإفلات من العقاب يفرض على المجتمع الدولي التفكير في آليات بديلة، من بينها العقوبات الموجهة، وتفعيل مبدأ الولاية القضائية العالمية لملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات.
أهمية التوثيق والذاكرة
تقرير الأمم المتحدة الأخير حول نيكاراغوا لا يقتصر على كشف أرقام أو سرد شهادات، بل يعكس مسارًا ممنهجًا لتفكيك المجتمع المدني وتركيز السلطة، في مشهد تتقاطع فيه المعاناة الإنسانية مع الانتهاكات القانونية والسياسية، ومع استمرار إغلاق الحيز المدني وتفاقم المنفى القسري، يواجه المجتمع الدولي اختبارًا صعبًا: هل يظل التقرير وثيقة للأرشيف، أم يتحول إلى أداة فعلية لمساءلة نظام يضع مواطنيه أمام خيارين قاسيين: الصمت أو المنفى؟
التطور الزمني للأزمة في نيكاراغوا منذ 2018
أبريل 2018
اندلاع احتجاجات واسعة في نيكاراغوا ضد سياسات الحكومة الاجتماعية والاقتصادية، وردت السلطات باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى، واعتقال الآلاف، وبداية تراجع حاد في أوضاع حقوق الإنسان.
مايو– ديسمبر 2018
بدء حملة قمع واسعة ضد المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة، وتم إغلاق مؤسسات حقوقية وجامعات، وسُحبت التراخيص القانونية من عشرات المنظمات، ووصفت تقارير الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ما يحدث بأنه "انتهاك ممنهج للحقوق الأساسية".
2019
تصاعد الاعتقالات التعسفية بحق المعارضين والصحفيين، ووثقت تقارير العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش حالات تعذيب واختفاء قسري، وبدأت الحكومة سياسة "تكميم الفضاء المدني" عبر قوانين جديدة لتنظيم الإعلام والمنظمات غير الحكومية.
2020
فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على مسؤولين في الحكومة النيكاراغوية بسبب "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان"، وتطالب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالإفراج عن المعتقلين السياسيين والسماح بعودة المنظمات المغلقة.
2021
الانتخابات الرئاسية تشهد حملة اعتقالات استباقية ضد مرشحين معارضين وصحفيين، وتصف الأمم المتحدة العملية الانتخابية بأنها "فاقدة للمصداقية"، بجانب استمرار تقارير عن التعذيب وسوء المعاملة داخل مراكز الاحتجاز.
مارس 2022
مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ينشئ "فريق خبراء حقوق الإنسان المعني بنيكاراغوا" للتحقيق في الانتهاكات منذ عام 2018، وتحديد المسؤولين عنها.
2023
تصاعد حملات النفي القسري وسحب الجنسية من معارضين سياسيين، وتوثق تقارير الأمم المتحدة حالات "محو قانوني" لأسماء النشطاء من السجلات العامة، ما يجعلهم فعليًا عديمي الجنسية، وتدعو الأمم المتحدة إلى "تدخل دولي منسق" لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
2024
موجة جديدة من القمع تطول المنظمات الأكاديمية والدينية بإغلاق أكثر من 800 منظمة إضافية، بينها جمعيات خيرية وكنائس، وزيادة بنسبة 21% في جرائم قتل النساء مقارنة بالعام السابق، واستمرار الحظر المطلق على الإجهاض والعنف ضد الشعوب الأصلية.
أبريل 2025
فريق خبراء الأمم المتحدة يصدر تقريره السنوي، موثقًا انتهاكات منهجية تشمل التعذيب والاختفاء القسري والحرمان من الجنسية والإقصاء السياسي، ويصف التقرير الوضع في نيكاراغوا بأنه "نظام من القمع المؤسسي واسع النطاق".
يونيو– أغسطس 2025
حملات أمنية جديدة تؤدي إلى ارتفاع حالات الاختفاء القسري إلى 31 حالة، واحتجاز 75 شخصًا لأسباب سياسية، وتوثق تقارير أممية 16 حالة تعذيب جديدة، من بينها عنف جنسي.
سبتمبر 2025
اعتماد الإصلاح الدستوري الجديد الذي يمنح الرئاسة صلاحيات شبه مطلقة، ويُضعف استقلال القضاء والسلطة التشريعية، منظمات دولية تعتبره "تحولًا قانونيًا لترسيخ الحكم الفردي".
أكتوبر 2025
خلال الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، تعرض الأمم المتحدة تقريرها الشامل حول حالة حقوق الإنسان في نيكاراغوا، مؤكدة استمرار الانتهاكات رغم الإدانات الدولية المتكررة، والمدافعة ويني برنارد تقدم شهادتها أمام المجلس، مجسدةً معاناة آلاف المنفيين عديمي الجنسية، فيما تجدد الأمم المتحدة دعوتها لحكومة نيكاراغوا للتعاون مع آليات الرصد والمساءلة.
هذا التسلسل الزمني يعكس مسار التدهور المستمر في الحريات العامة منذ عام 2018 حتى عام 2025، ويُبرز كيف تحولت الأزمة من احتجاجات مطلبية إلى حالة قمع بنيوي تمس جوهر الدولة والمجتمع.