أمام مجلس حقوق الإنسان.. تقرير أممي يرصد تحديات العدالة التنموية في عالم مضطرب
أمام مجلس حقوق الإنسان.. تقرير أممي يرصد تحديات العدالة التنموية في عالم مضطرب
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، والتي تستمر حتى 8 أكتوبر المقبل، وسط أجندة مزدحمة بالملفات الحقوقية التي تعكس تعقيدات المشهد العالمي.
وفي هذا السياق، قدمت آلية الخبراء المعنية بالحق في التنمية تقريرها السنوي، الذي ركز على العلاقة بين التعاون الإنمائي الدولي وضمان الحق في التنمية، باعتباره حقًا إنسانيًا أصيلًا وأداة أساسية لتحقيق العدالة والكرامة والمساواة.
وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن العالم يقف عند مفترق طرق تاريخي، حيث تتعرض مبادئ التعاون الدولي لضغوط غير مسبوقة، بينما تتسع الفجوة بين الالتزامات المعلنة والواقع الفعلي.
ورغم مرور ما يقرب من أربعة عقود على اعتماد إعلان الأمم المتحدة بشأن الحق في التنمية عام 1986، لا تزال التحديات الهيكلية والمصالح المتضاربة بين الشمال والجنوب تعيق إعمال هذا الحق بشكل متكامل.
وعد لم يكتمل
أعاد التقرير التذكير بأن الحق في التنمية يقوم على مبدأ أن جميع الشعوب والأفراد يملكون الحق في المشاركة والمساهمة والتمتع بمكاسب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، غير أن هذا المبدأ، رغم وضوحه في النصوص الدولية، ظل رهينة لسياسات غير عادلة في توزيع الموارد والفرص.
وأشارت الآلية إلى أن دولًا عديدة في الجنوب العالمي لا تزال تواجه عراقيل مالية ومؤسسية تجعلها غير قادرة على الوفاء باحتياجات شعوبها، وهو ما يتناقض مع روح التعاون الدولي التي يفترض أن تكون قائمة على التضامن والمساواة.
وأوضح التقرير أن مسار التنمية بات يتأثر بعوامل متشابكة، من بينها تراكم أعباء الديون، واشتراطات المانحين، وعدم مرونة المؤسسات المالية الدولية، وهو ما جعل التعاون الإنمائي أقرب إلى أداة ضغط سياسي واقتصادي بدلًا من كونه وسيلة لتعزيز الحقوق.
فجوات هيكلية
وركز التقرير بشكل خاص على الفجوات الهيكلية التي تميز النظام الاقتصادي العالمي. فمن جهة، تحتكر الدول المتقدمة النصيب الأكبر من الموارد المالية والتكنولوجية، بينما تظل الدول النامية عالقة في دوائر العجز والاعتماد.
ومن جهة أخرى، لم ينجح النظام القائم في إرساء شراكات حقيقية تضمن الاستدامة والعدالة في التنمية.
ولفتت آلية الخبراء إلى أن التمويل المخصص للتنمية المستدامة لا يزال بعيدًا عن المستويات المطلوبة لتحقيق أهداف أجندة 2030، مشيرة إلى أن الكثير من الدول النامية تواجه صعوبة في الحصول على قروض ميسرة، أو تجد نفسها مضطرة إلى تحمل فوائد عالية تثقل كاهلها.
وأكد التقرير أن هذه المعطيات لا تعكس مجرد إخفاقات اقتصادية، بل تمثل انتهاكًا مباشرًا للحق في التنمية، لأن النتائج تترجم إلى حرمان ملايين الأشخاص من حقوقهم الأساسية في الصحة والتعليم والعمل اللائق.
أزمات عالمية
وأفرد التقرير مساحة واسعة لتأثير الأزمات المتعددة على إعمال الحق في التنمية. فقد أشار إلى أن جائحة كوفيد-19 ألحقت أضرارًا هائلة بالاقتصادات الهشة، وأدت إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة، ما أعاد عقودًا من التقدم إلى الوراء. كما أن تغير المناخ والكوارث الطبيعية المرتبطة به باتا يشكلان تهديدًا مباشرًا لحياة ملايين البشر، خاصة في المناطق الساحلية والجزرية.
وأوضح التقرير أن النزاعات المسلحة والتوترات الجيوسياسية تعرقل وصول المساعدات الإنسانية والإنمائية، وتؤدي إلى تحويل الموارد بعيدًا عن التنمية نحو الإنفاق العسكري.
وبحسب آلية الخبراء، فإن هذه التحديات مجتمعة جعلت من الصعب على كثير من الدول تحقيق تقدم ملموس في مسار التنمية، الأمر الذي يتطلب مقاربة أكثر شمولية للتعاون الدولي.
وشدد التقرير على أن غياب التنمية العادلة يفاقم معاناة الفئات الهشة، من نساء وأطفال وأقليات وشعوب أصلية.
وأشار إلى أن هذه الفئات غالبًا ما تكون الأكثر تضررًا من الأزمات الاقتصادية والبيئية، لأنها تعاني من ضعف في آليات الحماية الاجتماعية وانعدام الفرص المتكافئة.
وذكر التقرير أن تعزيز الحق في التنمية لا يمكن أن يتحقق دون تمكين هذه الفئات من المشاركة الفعالة في صنع القرار، وضمان استفادتها من برامج التعاون الدولي. وأكدت الآلية أن إقصاء هذه الشرائح من مسار التنمية يمثل انتهاكًا مضاعفًا، لأنه يحرمها من حقوقها الأساسية ويكرس أنماط التمييز وعدم المساواة.
تعزيز العدالة الإنمائية
وأنهت آلية الخبراء تقريرها بتأكيد أن الطريق نحو إعمال الحق في التنمية يمر عبر إصلاح عميق لمنظومة التعاون الدولي.
ودعت إلى تعزيز الشفافية في إدارة التمويل الإنمائي، وضمان توجيهه نحو تلبية الاحتياجات الفعلية للشعوب، لا خدمة مصالح الدول المانحة.
وشددت على ضرورة إصلاح المؤسسات المالية والتجارية العالمية لتصبح أكثر استجابة لاحتياجات الدول النامية، وأقل خضوعًا لمعادلات النفوذ السياسي.
وأكد التقرير أن مشاركة المجتمعات المحلية في رسم وتنفيذ سياسات التنمية أمر لا غنى عنه لضمان استدامة النتائج.
كما أوصى بإعطاء الأولوية للبرامج التي تستهدف الفئات الهشة، وتوفير الدعم الكافي لمبادرات التكيف مع تغير المناخ وبناء القدرات الوطنية.