بين الغلاف وتصفيفة الشعر.. ترامب يهاجم مجلة تايم ويصف صورتها بالأسوأ في حياته
بين الغلاف وتصفيفة الشعر.. ترامب يهاجم مجلة تايم ويصف صورتها بالأسوأ في حياته
لم تهدأ العلاقة المتوترة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووسائل الإعلام، لتشهد فصلًا جديدًا من الخلاف بعد أن أعرب ترامب عن استيائه من الغلاف الأخير لمجلة تايم الأمريكية، واصفًا الصورة التي اختارتها المجلة له بأنها "الأسوأ في حياته".
العدد الأخير من المجلة كان مخصصًا لتقرير مطوّل تناول ما وصفته "جهود ترامب التاريخية لصنع السلام في الشرق الأوسط"، مشيرة إلى أنه حقق ما اعتبرته "انتصارًا سياسيًا غير مسبوق"، غير أن الرئيس الأمريكي لم يجد في ذلك مدعاة للرضا، إذ طغى على اهتمامه أمر آخر تمامًا وهو صورة الغلاف.
الصورة التي التُقطت من زاوية منخفضة، تُظهر ترامب واقفًا أمام سماء صافية، في حين كانت الكاميرا موجهة من الأسفل إلى الأعلى، وهي زاوية اعتبرها الرئيس الأمريكي مسيئة له وتُبرز شعره بشكل غير مألوف، وقال ترامب في منشور على منصته "تروث سوشيال" إن مجلة تايم كتبت قصة جيدة نسبيًا عنه، لكنه اعتبر أن الصورة المختارة كانت الأسوأ على الإطلاق، وأضاف بنبرة سخرية واضحة أن المصورين "أخفوا شعره الجميل"، وأن ما بدا فوق رأسه يشبه "تاجًا صغيرًا عائمًا"، في إشارة إلى تأثير الإضاءة والزاوية التي التُقطت منها الصورة.
وواصل ترامب حديثه غاضبًا: "لم أحبذ يومًا الصور الملتقطة من زوايا منخفضة، لكنها هذه المرة كانت سيئة جدًا، لا أفهم ما الذي يفعلونه ولماذا اختاروا هذه الصورة بالتحديد".
مجلة نيوزويك الأمريكية كانت قد أشارت بدورها إلى أن الصورة تُظهر شعر ترامب أقل كثافة مما يبدو عليه عادة، وهو ما اعتبره مراقبون سببًا إضافيًا لانزعاجه، خاصة أن مظهر شعره طالما كان جزءًا من صورته العامة ومن الجدل الدائر حوله منذ سنوات.
انتقادات متكررة
الخلاف الجديد ليس سوى حلقة مضافة إلى سلسلة طويلة من المواجهات بين ترامب والإعلام الأمريكي، فمنذ دخوله معترك السياسة، وجّه ترامب انتقادات متكررة للصحف والقنوات الكبرى، واتهمها بالتحيز ضده ونشر ما وصفه بـ"الأخبار الكاذبة". في المقابل، دأبت وسائل الإعلام على انتقاد سياساته وخطابه الشعبوي، معتبرة أنه يهاجم الصحافة ليتجنب المساءلة العامة.
العلاقة المعقدة بين ترامب والإعلام الأمريكي امتدت إلى تفاصيل شكلية بدت أحيانًا مثيرة للسخرية، مثل الجدل حول شعره، فقد تحوّل شعر الرئيس ترامب إلى مادة دسمة للبرامج الساخرة والتقارير الإعلامية، وكتب عنه الكثير حتى وصفته صحيفة نيويورك بوست ذات مرة بأنه "الأكثر غموضًا في السياسة الأمريكية".
وخلال حملته الانتخابية عام 2015، حاول ترامب نفي الشائعات التي تزعم أنه يرتدي شعرًا مستعارًا، ووقف أمام الجمهور ليؤكد: "أنا لا أرتدي شعراً مستعاراً، إنه شعري الحقيقي، أقسم على ذلك"، لكن الجدل لم يتوقف عند هذا الحد، إذ انتشر عام 2017 مقطع مصور التقطته عدسات الصحافة أظهر بقعة صلعاء صغيرة في مؤخرة رأسه عندما أطاحت الرياح بخصلات شعره أثناء صعوده إلى الطائرة الرئاسية، ما أثار موجة جديدة من التكهنات حول خضوعه لعمليات زرع شعر.
وفي عام 2023، صرّح جراح التجميل الأمريكي غاري لينكوف في مقابلة تلفزيونية أنه يعتقد بأن ترامب خضع لما لا يقل عن خمس عمليات زراعة شعر منفصلة على مدار سنوات، مضيفًا أن مظهر شعره يعكس عملًا تجميليًا متقنًا وليس مظهرًا طبيعيًا بالكامل، ورغم أن الرئيس الأمريكي لم يرد على هذه التصريحات حينها، فإنه ظل يصف شعره في أكثر من مناسبة بأنه "جميل وفريد من نوعه"، بل جعل منه جزءًا من هويته الإعلامية التي تجمع بين الجدّ والغرابة.
تاريخيًا، لم تكن علاقة ترامب بمجلة تايم مستقرة أيضًا، فخلال فترة رئاسته، اشتبك أكثر من مرة مع المجلة التي اختارته عام 2016 "شخصية العام"، لكنه لاحقًا رفض المشاركة في جلسة تصوير مماثلة عام 2017 بعد أن علم أنها لن تجدد اللقب له، وردّ حينها عبر تويتر: "تايم أخبرتني أنني ربما سأكون شخصية العام، لكن يجب أن أقبل جلسة تصوير طويلة، فقلت لهم شكراً، لن أفعل"، وردت المجلة آنذاك موضحة أنه لم يكن ثَمّ تواصلٌ رسميّ تم بين الجانبين، في إشارة إلى أن ترامب يختلق السرديات الإعلامية لتعزيز صورته أمام مؤيديه.
علاقة معقدة
ويرى مراقبون إعلاميون أن الأزمة الجديدة مع مجلة تايم ليست سوى تجسيد للعلاقة المعقدة التي تجمع ترامب بالصحافة الأمريكية، فهو يدرك تأثير الصورة في تشكيل الرأي العام، ويحاول باستمرار التحكم في الطريقة التي يظهر بها أمام الجمهور، في حين تعد وسائل الإعلام هذه الحساسية المفرطة تجاه المظهر الشخصي تكشف نزعة نرجسية متجذرة في سلوك الرئيس.
لكن في المقابل، يشير بعض المراقبين إلى أن انتقاد ترامب للمجلة قد يحقق له فائدة سياسية غير مباشرة، إذ يُعيده إلى صدارة النقاش العام في وقت يستعد فيه لخوض غمار الانتخابات المقبلة، ويجد في المواجهة مع الإعلام وسيلة فعّالة لإثارة قاعدته الشعبية التي تتبنى روايته عن "التحيّز الإعلامي" ضده.
الجدير بالذكر أن مجلة تايم، رغم إشادتها بما وصفته بـ"إنجازات ترامب الدبلوماسية" في الشرق الأوسط، لم تُخفِ نبرتها التحليلية التي تناولت التناقض بين نجاحاته السياسية المثيرة للجدل وشخصيته المثيرة للاستقطاب داخل الولايات المتحدة، وقد يكون هذا التوازن بين الثناء والنقد أحد الأسباب التي جعلت الرئيس الأمريكي يرد بعصبية، خصوصًا في ظل حرصه المستمر على تقديم نفسه بوصفه صانع سلام ورجل إنجازات عالمية.
وفي النهاية، قد يختلف الأمريكيون حول سياسات ترامب أو شخصيته، لكنهم يتفقون على أن علاقته بالإعلام تبقى من أكثر العلاقات إثارة في التاريخ السياسي الحديث، وبينما تستمر عدسات الكاميرا في ملاحقته، يبدو أنه لن يتوقف عن ملاحقة الصورة أيضًا، تلك التي يراها العالم كما هي، في حين يراها هو مرآة تعكس نفسه كما يريدها أن تكون، لا كما تراها مجلة تايم أو غيرها من الصحف الأمريكية.