بين الأخلاقيات واللامبالاة.. السخرية من أطفال غزة تعيد الإعلام الأمريكي إلى اختبار الإنسانية

بين الأخلاقيات واللامبالاة.. السخرية من أطفال غزة تعيد الإعلام الأمريكي إلى اختبار الإنسانية
أطفال غزة ومعاناة الحرب

قدّم المذيع في شبكة "سي إن إن" الأمريكية، فان جونز، اعتذارًا علنيًا بعد موجة غضب عارمة أثارتها تعليقاته الأخيرة التي وُصفت بأنها "ساخرة وغير إنسانية" بشأن مقتل أطفال غزة جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع.

 تصريحات صادمة على الهواء

خلال مشاركته في برنامج "Overtime with Bill Maher"، تناول جونز كيفية نظر الشباب الأمريكيين إلى الصراع في الشرق الأوسط، ساخرًا من كثرة صور ضحايا غزة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقال حينها إن هواتف الشباب تمتلئ بصور "أطفال غزة القتلى"، زاعمًا أن هذه المشاهد جزء من "حملة تضليل ضخمة" تديرها إيران وقطر على منصات مثل "تيك توك" و"إنستغرام" وفق وكالة أنباء الأناضول.

لكن تعليقاته التي حاول المزج فيها بين النقد السياسي والتهكم، تحوّلت إلى مادة للانتقاد الواسع. فقد اعتُبرت إساءة مباشرة لملايين الضحايا وأسرهم، الذين يرون في صور أطفال غزة المقتولين شهادة حية على مأساة إنسانية كبرى.

موجة استياء وغضب مجتمعي

أبرز ردود الفعل جاء من إمام المجتمع المسلم الأمريكي ورئيس معهد "يقين"، عمر سليمان، الذي كتب عبر منصة "إكس": "آسف يا فان جونز لأن أطفال غزة القتلى يزعجونك إلى هذا الحد"، واصفًا التصريحات بأنها "مخزية ودنيئة".

هذا الانتقاد وجد صدى واسعًا لدى حقوقيين وإعلاميين رأوا أن السخرية من صور الضحايا في لحظة إبادة جماعية جارية يمثل انحرافًا خطيرًا في دور الإعلام الذي يُفترض أن ينقل الحقائق بإنسانية لا أن يستهزئ بضحاياها.

 اعتذار متأخر واعتراف بالخطأ

إزاء هذا الغضب، عاد جونز ليقدّم اعتذاره عبر بيان علني، موضحًا أن قصده كان "التنبيه إلى مخاطر الحملات الإعلامية التي يشنها خصوم أجانب على الإنترنت"، لكنه اعترف بأن كلماته جاءت "قاسية وغير حساسة".

وأضاف: "تصريحي أسيء فهمه، لكن الأهم أن طريقة حديثي كانت ببساطة غير إنسانية، أطفال يموتون يوميًا في غزة، ولا أحد يجب أن يستخف بهذه المأساة، أعتذر لكل من يعيش الخوف ويفقد أحبّاءه هناك".

وأكد المذيع الأمريكي أن "أطفال غزة أو أي ضحية مدنية لا ينبغي أبدًا أن يكونوا موضوعًا للسخرية"، داعيًا إلى "وقف الهجمات وإنهاء المعاناة".

مأساة إنسانية متفاقمة

الاعتذار يأتي في وقت تتزايد فيه المأساة الإنسانية في قطاع غزة، فمنذ السابع من أكتوبر 2023، يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية التي وُصفت من قبل خبراء الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية بأنها ترقى إلى جريمة إبادة جماعية.

بحسب بيانات فلسطينية، فقد أسفرت الهجمات حتى اليوم عن استشهاد 67 ألفًا و139 شخصًا، وإصابة أكثر من 169 ألفًا و583 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، كما تسبب الحصار الخانق والمجاعة في وفاة ما لا يقل عن 460 فلسطينيًا، بينهم 154 طفلًا.

الإعلام بين المهنية والإنسانية

تسلط هذه الواقعة الضوء على إشكالية أوسع تتعلق بطريقة تناول الإعلام الغربي لأزمات الشرق الأوسط، إذ كثيرًا ما يُتهم بتجاهل البعد الإنساني أو إفراغه من مضمونه عبر لغة سياسية باردة أو ساخرة.

ويرى خبراء إعلاميون أن تصريحات مثل تلك التي أطلقها جونز تسهم في تشويه وعي الجمهور وإضعاف التعاطف مع الضحايا، في وقت يحتاج فيه ملايين المدنيين في غزة إلى تضامن عالمي حقيقي يضع إنسانيتهم فوق الحسابات السياسية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية