انخفاض التمويل يهدد ملايين البشر بالجوع ويقوّض عقوداً من التقدم الإنساني

انخفاض التمويل يهدد ملايين البشر بالجوع ويقوّض عقوداً من التقدم الإنساني
نازحون سودانيون- أرشيف

تعيش المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة واحدة من أصعب مراحلها منذ تأسيسها، إذ يهدد التراجع الكبير في حجم المساعدات الدولية قدرة هذه الوكالات على الاستجابة للأزمات المتفاقمة حول العالم. 

ومع تقليص التمويل من كبرى الدول المانحة، يقف ملايين البشر على حافة المجاعة، في مشهد يعكس هشاشة النظام الإنساني العالمي أمام الأزمات المتعددة والمتداخلة.

وحذّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في بيان له، الأربعاء، من تفاقم أزمة الجوع في عدة مناطق حول العالم، مؤكداً أن نحو 14 مليون شخص في أفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وهايتي والصومال والسودان وجنوب السودان يواجهون خطر الجوع الحاد خلال الأشهر المقبلة.

وأوضح البرنامج، الذي يتخذ من العاصمة الإيطالية روما مقراً له، أن التمويل الدولي لعملياته يشهد تراجعاً مقلقاً هو الأسوأ في تاريخه، حيث يتوقع انخفاض ميزانيته بنسبة 40% لعام 2025 لتبلغ 6.4 مليارات دولار فقط، مقارنةً بـ 10 مليارات دولار في عام 2024.

وأشار التقرير، الذي حمل عنوان "شريان حياة في خطر"، إلى أن هذا التراجع سيؤدي إلى تقليص نطاق المساعدات الغذائية في أكثر من 80 دولة، ما قد يدفع نحو 13.7 مليون شخص إضافي إلى مرحلة "الطوارئ" على مقياس الأمن الغذائي العالمي، وهي المرحلة التي تسبق المجاعة مباشرة.

تحذيرات من ضياع التقدم

شدّدت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، على أن العالم يواجه "فجوة خطيرة بين ما يحتاج البرنامج إلى فعله وبين ما يقدر على تنفيذه فعلياً"، مؤكدة أن هذا النقص في التمويل قد "يضيع عقوداً من التقدم في مكافحة الجوع والفقر".

وقالت ماكين إن "الأمر لا يقتصر على الدول الغارقة في الحروب أو الكوارث الطبيعية، بل يمتد إلى المناطق التي شهدت تحسناً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، مثل منطقة الساحل الإفريقي"، محذّرة من أن 500 ألف شخص تم انتشالهم من الاعتماد على المساعدات قد يعودون مجدداً إلى دائرة الفقر الحاد إذا لم يُسدّ العجز المالي.

وأضافت أن استمرار هذا الاتجاه "يعرّض حياة الملايين للخطر ويهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق عدة من العالم"، مشيرةً إلى أن بعض البرامج الإنسانية بدأت بالفعل بتقليص الحصص الغذائية أو تعليق عملياتها في مناطق النزاع.

تراجع الدعم يفاقم المعاناة

تزامن تحذير برنامج الأغذية العالمي مع انخفاض حاد في المساعدات الخارجية، إذ خفّضت الولايات المتحدة -أكبر ممول للبرنامج- حجم مساهماتها، كما اتجهت دول مانحة كبرى إلى تقليص مساعداتها الإنمائية والإنسانية أو أعلنت نيتها القيام بذلك خلال العام المقبل، ما ينذر بتداعيات إنسانية واسعة النطاق.

وأكدت تقارير داخل الأمم المتحدة أن استمرار هذا التراجع سيجعل ملايين الأسر في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية أمام واقع قاسٍ يتمثل في نقص الغذاء والماء والخدمات الأساسية، وسط غياب البدائل الفعلية للتمويل الدولي.

وفي السياق، عبّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" عن قلقها البالغ من التراجع العالمي في حجم مساعدات التنمية، مؤكدة أن هذا الانخفاض أثّر بالفعل على ميزانيتها لعام 2025، وأنه سيترك آثاراً مباشرة على حياة الأطفال في المناطق الهشة.

وأوضحت المديرة التنفيذية للمنظمة، كاثرين راسل، في تصريحات نقلتها شبكة التحرير الألمانية دويتشلاند، أن "اليونيسف تتوقع انخفاضاً لا يقل عن 20% في التمويل المخصص للبرامج الإنسانية والمبادرات طويلة الأمد"، مشيرةً إلى أن المنظمة "تبذل كل جهد للاستفادة من كل دولار متاح، لكن الأطفال سيواجهون دون شك تداعيات مؤلمة لهذا التراجع".

خطر يلوح في الأفق

حذّر خبراء الأمم المتحدة من أن استمرار الانخفاض في الدعم الدولي سيجعل العالم على أعتاب مجاعات واسعة النطاق، خصوصاً في إفريقيا والشرق الأوسط، حيث تعاني الشعوب من آثار النزاعات، وتغير المناخ، وتدهور الاقتصاديات المحلية.

ويرى محللون أن هذا التراجع في المساعدات يعكس أزمة ثقة متنامية بين الدول المانحة والمنظمات الدولية، إضافة إلى تغير أولويات السياسات الغربية التي باتت تركز أكثر على الأمن والهجرة بدلاً من التنمية والإغاثة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية