يوم الأمم المتحدة 2025.. ثمانون عاماً على الميثاق الإنساني الأكبر
يحتفل به 24 أكتوبر من كل عام
في الرابع والعشرين من أكتوبر من كل عام، تتجدّد ذكرى ميلاد أهم وثيقة في التاريخ الحديث -ميثاق الأمم المتحدة- الذي دخل حيّز النفاذ عام 1945، واضعًا أسس نظام عالمي يقوم على السلم والكرامة والعدالة.
لكن عام 2025 يحمل رمزية مختلفة، إذ يحتفل العالم بالذكرى الثمانين لتأسيس المنظمة، في وقتٍ تتكاثف فيه التهديدات التي تمتحن معنى الإنسانية المشتركة: الحروب، تغيّر المناخ، الأزمات الاقتصادية، والذكاء الاصطناعي الذي يعيد تعريف الحدود بين الإنسان والتقنية.
جاء ميثاق الأمم المتحدة بعد حربين عالميتين خلّفتا أكثر من سبعين مليون قتيل، ليؤكد أن السلام ليس غياب الحرب فحسب، بل منظومة من الحقوق المتشابكة: حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحق الإنسان في العيش بكرامة، وحق الجميع في التنمية المستدامة.
ولكن بعد ثمانين عامًا بعد التأسيس، لا يزال العالم يكتشف المعنى الأعمق لتلك المبادئ، إذ تحوّل السلام إلى شرطٍ أساسي لتحقيق باقي الحقوق، وأصبح التعاون الدولي واجبًا أخلاقيًا قبل أن يكون التزامًا سياسيًا.
دعوة لتجديد العقد الإنساني
تأتي ذكرى الأمم المتحدة وسط دعوات دائمة "بناء مستقبلنا معًا"، وهو نداءٌ لإعادة التفكير في دور المنظمة في عالم تتسارع فيه التغيرات أكثر من قدرة المؤسسات على مواكبتها، فالذكاء الاصطناعي يطرح أسئلة جديدة حول الخصوصية والعدالة، وتغيّر المناخ يفرض واقعًا يهدد الحق في الحياة، بينما الحروب الإقليمية والنزوح الجماعي يعيدان اختبار منظومة الأمن الجماعي التي تأسست عليها الأمم المتحدة.
إنها مناسبة لتذكير الدول بأن الميثاق لم يُكتب ليُعلَّق في الأرشيف، بل ليُطبَّق في وجه كل ظلمٍ يهدد السلام الإنساني.
لا يعد يوم الأمم المتحدة احتفالًا مؤسساتيًا بقدر ما هو "اعتراف بحق الإنسان في التعاون العالمي"، فالعمل متعدد الأطراف لم يعد ترفًا دبلوماسيًا، بل شرطًا لضمان الحق في بيئة آمنة، وحق الأجيال الجديدة في التنمية العادلة، فحين تتشارك الدول الموارد والمعرفة، فإنها تمارس فعلًا حقوقيًا بامتياز، إذ تحوّل التضامن من شعار إلى ممارسة.
ومع دخول العالم عقدًا جديدًا من الأزمات، يتعيّن على الأمم المتحدة أن تثبت أن النظام الدولي لا يزال قادرًا على حماية هذا الحق، وأن التعاون لا يُمكن أن يظلّ انتقائيًا أو خاضعًا لموازين القوى.
العدالة البيئية والرقمية
في مئويتها المقبلة، تبدو المنظمة مطالَبة بإعادة تعريف الأمن والعدالة، فلم يعد الأمن محصورًا في منع الحروب، بل يشمل الأمن البيئي والرقمي والغذائي
ويعد يوم الأمم المتحدة هو أيضًا تذكير بأن المنظمة وُجدت باسم الشعوب، لا الحكومات، وأن صوت الإنسان الفرد يجب أن يُسمَع في كل قرارٍ دولي.. من المدارس إلى الجامعات، ومن الحملات الشبابية إلى المنصات الرقمية، تتنوّع طرق الاحتفال، لكنها تلتقي جميعًا عند فكرة واحدة: أن الكرامة لا تتحقق إلا بتعاونٍ عابرٍ للحدود.
فكل مبادرة إنسانية صغيرة، وكل مشروع تنموي، وكل اتفاقية للسلام، هي امتداد لتلك اللحظة التي وُقّع فيها الميثاق قبل ثمانين عامًا، بإيمانٍ بسيط لكنه عميق: "أن مصير الإنسانية واحد".
في عالمٍ يتغيّر بسرعة، يذكّر يوم الأمم المتحدة بأن القيم لا تتقادم، فكما أن السلام لا يُفرض بالقوة، فإن التنمية لا تتحقق بالعزلة، في دعوة لتجديد الإيمان بالميثاق كوثيقة حقوقية قبل أن تكون سياسية، وللتأكيد أن الكرامة والحرية والمساواة ليست شعارات أممية بل حقوق لكل إنسان على هذه الأرض.
وفي الذكرى الثمانين لتأسيس المنظمة، تبقى الرسالة الأهم: "لن يكون القرن الحادي والعشرون قرنًا للنجاة الفردية، بل قرنًا لتقاسم المسؤولية من أجل بقاء الإنسان والإنسانية".











