بالتقنيات الفضائية والذكاء الاصطناعي.. أوروبا تعتمد استراتيجية جديدة لمكافحة المخدرات والجريمة المنظمة

بالتقنيات الفضائية والذكاء الاصطناعي.. أوروبا تعتمد استراتيجية جديدة لمكافحة المخدرات والجريمة المنظمة
إحدى ضبطيات المخدرات في أوروبا

كشف الاتحاد الأوروبي مؤخراً عن استراتيجية شاملة وجديدة لمكافحة المخدرات، تعتمد بصورة غير مسبوقة على أحدث التقنيات الفضائية والذكاء الاصطناعي، في تحول جذري يعكس حجم التهديد الذي تواجهه القارة الأوروبية، ويأتي ذلك في وقت ترتفع فيه أصوات القلق من تفشي شبكات الجريمة المنظمة واتساع رقعة العنف المرتبط بتهريب المخدرات، وسط تحذيرات واضحة من مؤسسات الأمن الأوروبية بأن القارة تقف اليوم عند نقطة أزمة حقيقية.

أمام هذا المشهد المتوتر، أعلن المفوض الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة ماغنوس برونر الخميس خلال تقديمه الاستراتيجية وخطة العمل للفترة الممتدة بين عامي 2026 و2030 أن أوروبا تواجه تحديا يتجاوز مجرد الاتجار بالمخدرات، فهو تحدٍ مرتبط بالأمن والسيادة وقدرة الدول على حماية مجتمعاتها من مجموعات عابرة للحدود تتقن الاستفادة من التكنولوجيا والفراغات الأمنية، وفق شبكة "eunews" الإخبارية.

أزمة عابرة للحدود

توضح الاستراتيجية أن مواجهة تدفق المخدرات لا يمكن أن تتم عبر الإجراءات التقليدية فقط، فشبكات التهريب أصبحت أكثر تعقيدا، وأكثر قدرة على التخفي، وأكثر استعدادا لاستغلال الثغرات التي تفصل بين القوانين الوطنية، ولهذا شددت الخطة على ضرورة تعزيز التعاون الدولي، ووقف تدفقات المخدرات غير القانونية نحو أوروبا، وتفكيك مواقع الإنتاج، ومنع تجنيد الشباب، والسيطرة على موجة العنف التي رافقت توسع النشاط الإجرامي.

تكنولوجيا فضائية في قلب المواجهة

مع تطور قدرات العصابات، قررت أوروبا الرد على التقدم التقني بتقدم مماثل، وأوضحت المفوضية أن العمل المشترك بين الدول الأعضاء والجهات الأمنية والجمارك والقطاع الخاص سيشكل بنية كاملة لرصد طرق التهريب وتعطيلها برا وبحرا وجوا.

وتعتمد الخطة على استخدام أدوات جديدة لم تكن جزءا من منظومات مكافحة المخدرات سابقا، مثل أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على تحليل الطرود البريدية وتحديد الشحنات المشبوهة، وأنظمة مراقبة الطيران للتعرف على الرحلات غير الاعتيادية، إضافة إلى استراتيجية أوروبية جديدة للتعامل مع الموانئ وتعزيز أمنها.

ومن المقرر أن تحصل وكالة فرونتكس المسؤولة عن حماية الحدود على جيل مطور من الوسائل التقنية، يشمل أقمارا صناعية عالية الدقة وطائرات مسيرة متقدمة قادرة على تتبع التحركات المشبوهة عبر السواحل والمعابر، ويرى برونر أن المهربين يستخدمون أحدث ما تنتجه التكنولوجيا، ولذلك فإن أوروبا بحاجة إلى الابتكار كي تكون قادرة على مواجهتهم، معلنا عن إطلاق حرم أوروبي للأمن والابتكار خلال عام ألفين وستة وعشرين ليكون مركز اختبار وتطوير للوسائل التقنية الحديثة.

إنتاج محلي يرفع منسوب التهديد

لا يقتصر خطر المخدرات على عمليات التهريب العابرة للحدود، إذ أشار التقرير إلى زيادة مقلقة في إنتاج المخدرات الاصطناعية داخل أوروبا نفسها، وتفكك السلطات ما يقارب 500 مختبر سنويا، الأمر الذي يستدعي تطوير قاعدة بيانات أوروبية تتناول حوادث الإنتاج غير المشروع، إلى جانب قاعدة معلومات موحدة تساعد الدول على التعرف على المواد المصنعة والمواد الكيميائية الأولية المستخدمة فيها.

كما يعتزم الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في قواعده الخاصة بالجريمة المنظمة وتحديث التشريعات المتعلقة بالاتجار بالمخدرات بحلول عام ألفين وستة وعشرين لضمان استجابة قانونية أكثر صرامة وفاعلية.

أرقام ترسم ملامح الأزمة

تتفق الأجهزة الأمنية الأوروبية على أن القارة تشهد طفرة غير مسبوقة في توفر الكوكايين والمنشطات الاصطناعية والمواد الأفيونية شديدة الخطورة، وهو ما يفسر تصاعد العنف في عدد من الدول وخاصة بلجيكا وهولندا حيث اندلعت موجات من عمليات الاغتيال والتفجيرات المرتبطة بتنافس شبكات التهريب.

ارتفعت كميات المخدرات المضبوطة خلال العقد الماضي بشكل كبير، ووصلت في عام 2023 إلى 419 طنا من الكوكايين، أي ما يعادل ستة أضعاف الكمية المضبوطة قبل عشر سنوات، هذه الأرقام تؤكد أن المخدرات لم تعد مجرد تجارة غير مشروعة، بل أصبحت صناعة ضخمة تمول شبكات عنف وفساد تؤثر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

شباب في مرمى العصابات

تحذر الاستراتيجية من أن العصابات المنظمة تعمل بوتيرة متسارعة لاستقطاب الشباب، وخاصة الفئات الأكثر هشاشة اجتماعيا، وأن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت إحدى أهم أدوات التجنيد، ولهذا أطلق الاتحاد الأوروبي منصة متخصصة تعمل على مستوى القارة بهدف منع الشباب من الانجراف نحو شبكات الاتجار.

وتقوم المنصة بربط الخبراء والمؤسسات المعنية عبر أوروبا لتبادل المعلومات والبرامج الوقائية، مع التركيز على مخاطبة المراهقين في مرحلة مبكرة وتشجيع المجتمعات المحلية على حماية شبابها من الاستغلال، ويرى برونر أن الاستثمار في الوقاية هو الطريق الأضمن لكسر دائرة المخدرات، وأن الحماية تبدأ بالكلمة الصحيحة التي توجه للشباب قبل أن يكونوا جزءا من منظومة العنف.

إشارات خطر مبكر

أطلق الاتحاد الأوروبي، قبل أسابيع، نظام الإنذار الأوروبي للمخدرات، وهو نظام يوفر معلومات فورية عند ظهور مواد جديدة عالية الخطورة، ويساعد هذا النظام في إصدار التحذيرات المرتبطة بالمواد الاصطناعية الفائقة الفعالية، بينما يعمل نظام الإنذار المبكر على رصد المواد الجديدة فور ظهورها وإبلاغ الدول بها بشكل سريع من أجل اتخاذ إجراءات عاجلة.

ويؤكد برونر أن أوروبا فقدت الكثير من الأرواح بسبب الإدمان والعنف الناتج عن هذه التجارة، وأن الوقت قد حان لقلب الموازين عبر استراتيجية أكثر شمولية وجرأة.

شهدت أوروبا خلال العقدين الأخيرين تغيرا عميقا في أنماط تجارة المخدرات، إذ انتقلت شبكات التهريب من الهياكل التقليدية إلى تنظيمات عابرة للحدود تستفيد من التكنولوجيا الحديثة في التخفي والتحرك والتمويل، ويرى خبراء الأمن أن الموانئ الأوروبية تحولت إلى نقاط جذب للمهربين بسبب الزيادة الضخمة في التجارة العالمية، مما يصعّب من عملية المراقبة. 

وتزامن ذلك مع ازدهار إنتاج المخدرات الاصطناعية في عدد من الدول الأوروبية، في ظل القدرة على تصنيع مواد عالية الفعالية بتكلفة منخفضة ودون حاجة إلى تهريب المواد الخام عبر الحدود. 

وتكافح الدول الأعضاء ضمن منظومة قانونية تختلف من دولة لأخرى، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي للسعي نحو إطار موحد يضمن التعاون الفوري وتقاسم المعلومات والقدرة على الرد السريع، ويرى محللون أن استخدام التكنولوجيا المتقدمة يشكل نقطة تحول في مسار المواجهة، لكنه يحتاج إلى استثمارات طويلة الأمد وتنسيق محكم حتى يصبح قادرا على إحداث التغيير المطلوب في معركة معقدة لا تزال في بدايتها. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية